من المعلوم لدى القاصي والداني أن كتاب البرهان مفخرة من مفاخر الأمة الإسلامية، حيث ضم بين دفتيه من الخصائص ما قل أن تجتمع في غيره من كتب الأصول، فلا غرو أنه أحد المصادر التي عليها مدار مصنفات المتأخرين في أصول الفقه (١)؛ فقد تميز بأسلوبه الفريد في الاستنباط والتحليل ومناقشة الأقوال والآراء؛ كما أنه اتصف بالابتكار في الأسلوب، وتحقيق المسائل بعيدًا عن تقليد السابقين؛ وتميز بشموله للمسائل الأصولية، مع كثرة الاستشهاد بالأمثلة الفقهية، إضافةً إلى المكانة المرموقة للجويني وشخصيته الفريدة. فحُقَّ لكتاب اجتمعت فيه تلك الخصائص والمميزات أن يكون من عُمَد أهل الأصول.
إلا أنه كتاب عويص، بعيد المنال؛ لما فيه من تعمية العبارات وغرابة الأسلوب في النظم، وكأنه كان مقصود مصنّفه في تقرير المسائل. وقد اعترف بصعوبته التاج السُّبكي مع كونه مُعجَبًا به أشدَّ الإعجاب؛ فذكر بأن البرهان لغز الأمة، لما فيه من مصاعب الأمور (٢)، وأنَّه «لا يحوم نحو حماه، ولا يدندن حول مغزاه إلَّا غواص على المعاني، ثاقب الذهن مبرز في العلم»(٣). فكونه بهذا الأسلوب والتعقيد ربما حال بينه وبين طالب درره وفوائده.
(١) قال ابن خلدون: «وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون: كتاب البرهان الإمام الحرمين، والمستصفى للغزالي - وهما من الأشعرية -، وكتاب العمد لعبد الجبار، وشرحه: المعتمد لأبي الحسين البصري - وهما من المعتزلة -. وكانت الأربعة قواعد هذا الفن وأركانه». انظر: تاريخ ابن خلدون (١/ ٥٧٦). (٢) انظر: طبقات الشافعية الكبرى (٥/ ١٩٢). (٣) انظر: المصدر السابق (٦/ ٢٤٤).