كَالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عَافَتِ البَقَرُ (١)
شَيْءٌ كَانَ قَدِيمًا ثُمَّ تَرَكَهُ النَّاسُ.
وَقِيلَ: "إِنَّمَا كَانُوا يَكْرُونَ الصَّحِيحَ لِئَلَّا يَتَعَلَّقَ بِهِ الدَّاءُ، لَا لِيَبْرَأَ السَّقِيمُ" حَكَى ذَلِكَ ابن دُرَيْدٍ (٢).
وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَالَ: "هَذَا لَمْ يَكُنْ وَإِنَّمَا مَثَلٌ لَا حَقِيقَةٌ" (٣)، أَيْ: أخَذْتَ البَرِيءَ وَتَرَكْتَ المُذنِبَ، فَكُنْتَ كَمَنْ يَكْوِي البَعِيرَ الصَّحِيحَ وَيَتْرُكَ السَّقِيمَ، لَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يَكُونُ.
قَالَ: وَنَحْوَ هَذَا قَوْلُهُمْ: "يَشْرَبُ عَجْلَانُ وَيَسْكُرُ مَيْسَرَةُ"، وَلَمْ يَكُونَا شَخْصَيْنِ مَوْجُودَيْنَ.
وَقِيلَ: أَصْلُ هَذَا أَنَّ الفَصِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَهُ العُرُ - لِفَسَادٍ فِي لَبَنِ أُمِّهِ - عَمَدُوا إِلَى أُمِّهِ فَكَوَوْهَا فَتَبْرَأُ وَيَبْرَأُ فَصِيلُهَا بِبُرْئِهَا، لأَنَّ ذَلِكَ الدَّاءَ إِنَّمَا كَانَ يَسْرِي إِلَيْهِ مِنْ لَبَنِهَا. وَهَذَا أَقْرَبُ الأَقْوَالِ إِلَى الحَقِيقَةِ.
وَالكَافُ فِي قَوْلِهِ: "كَذِي العُرِّ" تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ الحَالِ مِنَ الهَاءِ فِي تَرَكْتَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَتَرَكْتَهُ مُشْبِهًا ذَا العُرِّ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، كَأَنَّهُ قَالَ: تَرَكْتَهُ تَرْكًا، مِثْلَ تَرْكِ ذِي العُرِّ. فَفِي هَذَا الوَجْهِ حَذَفَ مُضَافًا، وَأَقَامَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ مُقَامَهُ،
= عنه سيبويه والفراء (ت ١٨٢ هـ). ترجمه في مراتب النحويين: ٤٤؛ طبقات الزبيدي: ٤٨؛ الفهرست ٦٩؛ إنباه الرواة: ٣/ ١٤٣؛ معجم الأدباء: ٢/ ٦٤.(١) البيت لأنس بن مدرك (أو مدركة) الخثعمي، صحفه بن خلف. وصدره: "إني وقتلي سليكا ثم أعقله" في المعاني الكبير: ٢/ ٩٢٨؛ الشعر والشعراء: ١/ ٣٦٨؛ حياة الحيوان ١٨٢؛ الأغاني: ٢٠/ ٣٨٦؛ العقد: ٣/ ٧١؛ فصل المقال: ٣٨٧؛ التنبيه والإيضاح: ٢/ ٩٣؛ الخزانة: ٢/ ٤٦٢؛ المقاصد: ٤/ ٣٩٩.(٢) الجمهرة: ١/ ٨٤.(٣) الكلام في المعاني الكبير: ٢/ ٩٢٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute