باب الهمزة تكون آخر الكلمة (١)
ط: "تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمَنْصُوبِ الْمُنَوَّنِ وَالْمَنْصُوبِ غَيْرِ الْمَنُوَّنِ يُوهِمُ مَنْ يَسْمَعُهُ أَنَّ الْهَمْزَةَ صُورَةٌ مَعَ الْمُنَوَّنِ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأَلِفَ فِي قَوْلِكَ: أَخْرَجْتُ خَبْأً، لَيْسَتْ صُورَةً لِلْهَمْزَةِ إِنَّمَا هِيَ الْأَلِفُ الْمُبْدَلَةُ مِنَ التَّنْوِينِ كَالَّتِي فِي قَوْلِكَ: ضَرَبْتُ زَيْدًا.
قَدْ تَحَرَّزَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنْ هَذَا الْاِعْتِرَاضِ بَعْضَ تَحَرُّزٍ فِي قوله: "أَلْحَفْتَهَا أَلِفًا" (٢)، وَلَمْ يَقُلْ: جَعَلْتَهَا أَلِفًا. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْهَمْزَةَ إِنَّمَا تُصَوَّرُ فِي مُعْظَم أَحْوَالِهَا بِصُورَةِ الْحَرْفِ الَّذِي تَنْقَلِبُ إِلَيْهِ عِنْدَ التَّخْفِيفِ أَوْ تَقْرُبُ مِنْهُ فَتَكْتُبُ "لَؤُمَ" بِالْوَاوِ لِأَنَّكَ لَوْ خَفَّفْتَهَا لَجَعَلْتَهَا بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ، وَتَكْتُبُ "جُؤْنًا" بِالْوَاوِ لِأَنَّكَ لَوْ خَفَّفْتَهَا لَكَانَت وَاوًا مَحْضَةً. فَلَمَّا كَانَتِ الْهَمْزَةِ فِي: الْخَبْءِ وَالدِّفءِ إِذَا خُفِّفَتْ أُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا وَحُذِفَتْ وَكَانَ الْوَقْفُ يُزِيلُ حَرَكَتَهَا وَجَبَ أَلَّا تَكُونَ لَهَا صُورَةٌ فِي الْخَطِّ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةٌ فِيهَا إِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ تَنْوِينٍ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا خَفَّفْتَ دَفَأَ وَخَبَأَ قُلْتَ: خَبَا وَدَفَا كَمَا تَقُولُ: الْخَبُ وَالدِّفُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ مِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعِلَّةَ التِي مِنْ أَجْلِهَا حُذِفَتْ، وَلَمْ تَكُنْ لَهَا صُورَةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْهَمْزَةَ إِنَّمَا تُدَبِّرُهَا حَرَكَةُ مَا قَبْلَهَا، وَإِذَا كَانَتْ سَاكِنَةً تَمْنَعُ أَنْ تُدَبَّرَ بِحَرَكَتِهَا فِي نَفْسِهَا لَكَانَتْ أَلِفًا، وَلَا تَصِحُّ الْأَلِفُ إِذَا انْضَمَّ مَا قَبْلَهَا وَانْكَسَرَ، فَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى أَنْ تُدَبَّرَ بِحَرَكَةِ مَا قَبْلِهَا فَجُعِلَتْ وَاوًا مَحْضَةً فِي جُؤَنٍ، وَيَاءً فِي بِئْرٍ، فَمَا تُنْكَرُ أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ فِي "الْخَبْءِ وَالدِّفءِ"، كَمَا كَانَتْ لَا تَثْبُتُ حَرَكَتُهَا فِي الْوَقْفِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ
(١) نفسه، "وما قبلها ساكن".(٢) نفسه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute