فقال: ألا قلت لى فى الحال، فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة، هذا رجل مشهور بالحفظ والاتّساع فى فنون من العلم، وما ذاكرته بحسبها.
قال: ومضت على هذه مدة، فحضرنا فى جنازة أخرى، وجلسنا، فإذا بالطّبرىّ قد أقبل، فقلت له، قليلا قليلا: أيها القاضى، هذا أبو جعفر الطّبرىّ قد حضر مقبلا.
قال: فأومأ إليه بالجلوس عنده، فجلس إلى جنبه، وأخذ أبى يجاريه، فكلما جاء إلى قصيدة ذكر الطّبرىّ منها أبياتا، قال أبى:
هاها (٢) يا أبا جعفر، إلى آخرها. فيتلعثم الطّبرىّ، فيبديها أبى إلى آخرها. وكلما ذكر شيئا من السّير قال أبى: كان هذا فى قصّة فلان، ويوم بنى فلان، مرّ (٣)، يا أبا جعفر فيه. فربما مرّ وربما يتلعثم، فيمرّ أبى فى جميعه.
قال: فما سكت أبى يومه ذلك إلى أن بان للحاضرين تقصير الطّبرىّ.
ثم قمنا، فقال لى أبى: الآن شفيت صدرى.
ثم نقل الخطيب بأنه (٤) ذكره إلى أبى بكر الأنبارىّ، قال: ما رأيت صاحب طيلسان أنحى من القاضى أبى جعفر بن البهلول.
(١) كذا فى النسخ. وفى تاريخ بغداد: «فقلت». (٢) فى تاريخ بغداد: «هاهنا». (٣) فى الأصل، ابسكون الراء، ضبط قلم. (٤) كذا فى النسخ جميعا، وقول ابن الأنبارى هذا بسند الخطيب إليه، فى تاريخ بغداد ٤/ ٣٣.