الْمُغِيرِينَ عَلَى الْحَيِّ فَيُدْرِكُ ثَأْرَهُ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَؤُوبُوا إِلَى أَوْطَانِهِمْ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ ثَعْلَبٍ فَفِيهَا أَيْضًا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يَقْتَنِي آثَارَ الْمُغِيرِينَ فَيُدْرِكُهُم.
وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِالْآثَارِ الْفَتَكَاتِ وَالْوَقَعَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَثَرَ فُلَانٌ فِي الْقَوْمِ إِذَا أَوْقَعَ بِهِمْ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَصْحَابَهَا فِي الْوَجْهَيْنِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي: يُرِيدُ إِذَا اتَّبَعَ أَثَارَ طَرِيدَةٍ بَادَرَهَا وَمَنَعَهَا مِنْ أَنْ تَؤُوبَ إِلَى مَلْجَئِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ مُقْبِلٍ:
وَصَاحِبِي وَهُوَةٌ مُسْتَوْهَدٌ وَهِلٌ … يَحُولُ بَيْنَ حِمَارِ الْوَحْشِ وَالْعَصَرِ (١)
قوله: "وَحَاجِبَ الْجَوْنَةِ" (٢): يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ سَابَقَ الشَّمْسَ إِلَى الْمَغْرِبِ سَبَقَهَا إِلَيْهِ. وَقَدْ أَخَذَ أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الْمَعْنَى وَأَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ: (متدارك)
لَوْ سَابَقَ الشَّمْسَ مِنَ الْمَشَارِقْ … جاءَ إِلَى الْغَرْبِ مَجِيءَ السَّابِقُ (٣)
وَأَوَّلُ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ بِقَوْلِهِ: (طويل)
سَمَاءً تُبَارِي الشَّمْسَ خُوصًا عُيُونُهَا … لَهُنَّ رَذَايَا بِالطَّرِيقِ وَدَائِعُ (٤)
وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ هَذَا الرَّجَزَ فِي كِتَابِ "الدِّيبَاجَةِ" (٥): (رجز)
لَا تَسْقِهِ حَزْرًا وَلَا حَلِيبَا … إِنْ لَمْ تَجِدْهُ سَابِحًا يَعْبُوبَا
ذَا مَيْعَةٍ يَلْتَهِمُ الْجَبُوبَا … يَتْرُكُ صَوَّانَ الصَّفَا رَكُوبَا
بِزَلِقَاتٍ قُعِّبَتْ تَقْعِيا … تَتْرُكُ فِي آثَارِهَا أُلْهُوبَا
(١) ديوانه: ٩٦، روايته: مستوهل زعل يحول بين؛ المعاني الكبير: ٢٦؛ الاقتضاب: ٣/ ١٧٥.
(٢) أدب الكتاب: ٢٠٨.
(٣) ديوان أبي الطيب: ٣/ ٩٤.
(٤) ديوانه: ١٦٧، روايته: سماما تباري الريح.
(٥) قد أشرنا إلى كتاب الديباجة في قسم الدراسة فيما يتعلق بالنقول التي تحيل عليه، والنقل في الاقتضاب: ٣/ ١٧٦؛ والبيت في: كتاب الخيل لأبي عبيدة: ١١٨؛ وفي الأمالي: ١/ ٩، نسبه إلى: أبي نخيلة الحماني وإلى العامري.