يَرْكَبُ كُلَّ عَاقِرٍ جُمْهُورِ … مَخَافَة وَزَعَلَ الْمَحْذُورِ
وَالْهَوْلَ مِنْ تَهَوُّلِ الْهُبُورِ (١)
وقوله: "يَضْرِبُهُ النَّدى: أَيْ هُوَ فِي خِصْبٍ مِنَ الْعَيْشِ فَهُوَ أَقْوَى لَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ بَاتَ وَالْمَطَرُ يَضْرِبُهُ.
وقوله:
تَعَلَّى النَّدَى فِي مَتْنِهِ وَتَحَدَّرَا (٢)
يَقول: سَمِنَ أَعْلاهُ وَأَسْفَلُهُ، وَالنَّدَى: الشَّحْمُ، سُمِّيَ نَدًى لِأَنَّهُ عَنِ النَّدَى يَكُونُ النَّبَاتُ، وَسُمِّيَ النَّبَاتُ نَدًى لِأَنَّهُ عَنِ الْمَطَرِ يَكُونُ وَهَذَا يُسَمَّى التَّدْرِيجُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُدَرَّجَ الشَّيْءُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ فَيُسَمَّى بِاسْمِ مَا هُوَ سَبَبٌ لَهُ، فَمِنْهُ مَا يُسَمَّى بِالسَّبَبِ الْأَقْرَبِ وَمِنْهُ مَا يُسَمَّى بِالسَّبَبِ الْأَبْعَدِ. فَمِمَّا سُمِّيَ بِالسَّبَبِ الْأَقْرَبِ قَوْلُهُمْ لِلْقُوَّةِ "طِرْفٌ" لِأَنَّهَا تَكُونُ عَنِ الطَّرْفِ، وَهُوَ الشَّحْمُ.
سُمِّيَ بِالسَّبَبِ الْأَبْعَدِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾ (٣) وَلَمْ يُنَزِّلِ اللِّبَاسَ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا أَنْزَلَ الْمَطَرَ فَأَنْبَتَ النَّبَاتَ ثُمَّ رَعَتْهُ الْبَهَائِمُ فَصَارَ صُوفًا وَشَعَرًا عَلَيْهَا ثُمَّ غُزِلَ الصُّوفُ وَنُسِجَ الشَّعَرُ فَاتَّخِذَ مِنْهُمَا اللِّبَاسُ، فَالْمَطَرُ سَبَبُ لِلِّبَاسِ وَلَكِنَّهُ سَبَبٌ بَعِيدٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: (رجز)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ المَنَّانْ … صَارَ الثَّرِيدُ فِي رُؤُوسِ الْعِيدَانْ (٤)
يَعْنِي السُّنْبُلَ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّرِيدِ مَرَاتِبٌ كَثِيرَةٌ.
وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ "كَثَوْرِ" يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى خَبَرِ مُبْتَدَإ
(١) ديوانه: ١/ ٣٥٤؛ الاقتضاب: ٣/ ٨٠؛ الكتاب: ١/ ١٨٥؛ الخزانة: ٣/ ١٠٣؛ المعاني الكبير: ٢/ ٧٤٩؛ شرح المفضل: ٢/ ٥٤.(٢) أدب الكتاب: ٩٦.(٣) سورة الأعراف (٧): الآية ٢٦.(٤) لم نقف على الشعر أو قائله.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute