الصُّفْرَةِ، وَكَانَتِ العَرَبُ تَكْرَهُ بَيَاضَ اللَّوْنِ المُفْرِطِ، وَكَانُوا يَعِيبُونَ قَوْلِ الأَعْشَى: (متقارب)
وَمِنْ كُلِّ بَيْضَاءَ رُعْبُوبَةٍ … لَهَا بَشَرٌ نَاصِعٌ كَاللَّبَنِ (١)
وَيَسْتَحْسِنُونَ قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ: (بسيط)
صَفْرَاءَ فِي نَعَجِ بَيْضَاءَ فِي دَعَجٍ … كَأَنَّهَا فِضَةٌ قَدْ مَسْهَا ذَهَبُ (٢)
وَكَانَ النِّسَاءُ يُضَمِّخْنَ أَجْسَادَهُنَّ بِالطِّيبِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ: (طويل)
وَأَلْيَنُ مِنْ مَسِّ الرُّخَامَاتِ يُلَتِقي … بِمَارِنِهِ الجَادِيُّ وَالعَنْبَرُ الوَرْدُ (٣)
وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ الأَعْشَى: (مخلع البسيط)
بَيْضَاءُ عُدْوَتِهَا وَصَفْ … رَاءُ العَشِيَّةِ كَالعَرَارَة (٤)
فَقَالَ قَوْمٌ: يُرِيدُ أَنَّهَا تَتَرَدَّعُ بالطِّيب، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ المَرْأَةَ إِذَا رَقَّتْ بَشَرَتُهَا وَصَفَتْ، ابْيَضَّتْ بِابْيضَاضِ الشَّمْسِ وَاصْفَرَّتْ بِاصْفِرَارِهَا، وَهَذَا القَوْلُ أَشْبَهُ بِالبَيْتِ، وَلَوْ أَرَادَ الطِّيبَ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِهِ العَشِيَّةَ مَعْنًى.
وَقَوْلُهُ: "كَأَنَّ تَطْيَابَهَا فِي الْأَنْفِ مَشْمُومُ".
فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ "المَشْمُومَ" هَا هُنَا المِسْكُ.
وَالآخَرُ: إِنَّهُ وَصَفَ شِدَّةَ تَخَيُّلِهِ لَهَا وَتَذَكُّرِهِ إِيَّاهَا حَتَّى كَأَنَّ طِيبَهَا فِي أَنْفِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَارَقَتْهُ، كَقَوْلِ الْآخَرِ: (طويل)
(١) ديوانه: ٦٧ برواية (ممكورة).
(٢) ديوانه: ٣٣ وفيه روايات في جمهرة الأشعار: ٢/ ٩٤٥ (كحلاء في دعج، صفراء في برج)؛ الكامل: ٣/ ٤١ المخصص: ١/ ٩٨ (بيضاء في دعج)؛ تحرير التحبير: ٣٤٢؛ العمدة ١/ ٦١٣ التشبيهات لأبي عون: ٨٤ (كحلاء في برج، صفراء في عج)؛ السمط: ٤٨٦ (صفراء في نعج، بيضاء في دعج).
(٣) البيت في الاقتضاب: ٣/ ٢٢٨ بدون عزو.
(٤) ديوانه: ٢٠٣ ويروي (وضحوتها)؛ الكامل: ٣/ ١١٦ السمط: ٤٨٦؛ العقد: ٦/ ١١٦؛ البرصان والعرجان ٤٣؛ شرح الحماسة للمرزوقي: ٣/ ١٢٤١ (صحوتها).