للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حُزْنًا على فراقه، وانقطاع الوحي وغيره من الخير دائمًا، وإنما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن عبدًا"، وأبهمه لِيَنْظُر فَهْم أهل المعرفة، ونباهة أصحاب الحذق.

(قَالَ) أبو سعيد (فَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ) في رواية مالك: "وكان أبو بكر هو أعلمنا به"؛ أي: بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو بالمراد من الكلام المذكور، زاد في رواية محمد بن سنان: "فقال: يا أبا بكر لا تبك".

(وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ، وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ) قال العلماء: معناه: أكثرهم جُودًا، وسماحةً لنا بنفسه، وماله، وليس هو من الْمَنّ الذي هو الاعتداد بالصنيعة؛ لأنه أذى مبطل للثواب، ولأن المنّة لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- في قبول ذلك، وفي غيره، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هو من الامتنان، والمراد أن أبا بكر له من الحقوق، ما لو كان لغيره نظيرها، لامْتَنَّ بها، يؤيده قوله في رواية ابن عباس: "ليس أحد أمنّ عليّ"، والله أعلم. انتهى (٢).

قال في "الفتح": وفي رواية محمد بن سِنان: "إن مِن أمنّ الناس عليّ" بزيادة "مِن وقال فيها: "أبا بكر" بالنصب للأكثر، ولبعضهم: "أبو بكر" بالرفع، وقد قيل: إن الرفع خطأٌ، والصواب النصب؛ لأنه اسم "إنّ"، ووُجِّه الرفع بتقدير ضمير الشأن؛ أي: إنه، والجار والمجرور بعده خبر مقدّم، و"أبو بكر" مبتدأ مؤخّر، أو على أن مجموع الكنية اسم، فلا يُعرب ما وقع فيها من الأداة.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الوجه غريبٌ، فليُتأمل، والله تعالى أعلم.

قال: أو "إنّ" بمعنى "نعم"، أو أن "مِنْ" زائدة على رأي الكسائيّ، وقال ابن بَرّيّ: يجوز الرفع إذا جُعلت "مِنْ" صفة لشيء محذوف، تقديره: إن رجلًا، أو إنسانًا، من أمنّ الناس، فيكون اسم "إنّ" محذوفًا، والجار والمجرور في موضع الصفة، وقوله: "أبو بكر" الخبر.

وقوله: "أمنّ" أفعل تفضيل من المنّ، بمعنى العطاء، والبذل، بمعنى أنه


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٥٠.
(٢) "المفهم" ٦/ ٢٤١.