أبذل الناس لنفسه وماله، لا من المنّة التي تفسد الصنيعة، وأغرب الداوديّ فشَرَحه على أنه من المنّة، وقال: تقديره: لو كان يتوجه لأحد الامتنان على نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم- لتوجه له، والأول أَولى.
قال: وقوله: "أمنّ الناس" في رواية الباب يوافق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- بلفظ:"ليس أحدٌ من الناس أمنّ عليّ في نفسه وماله من أبي بكر"، وأما الرواية التي فيها "مِنْ" فإن قلنا: زائدة فلا تخالُف، وإلا فتُحْمل على أن المراد أن لغيره مشاركةً ما في الأفضلية، إلا أنه مقدّم في ذلك بدليل ما تقدم من السياق وما تأخر.
ويؤيده ما رواه الترمذيّ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بلفظ:"ما لأحد عندنا يَدٌ إلا كافأناه عليها، ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة"، فإن ذلك يدلّ على ثبوت يد لغيره، إلا أن لأبي بكر رجحانًا.
فالحاصل: أنه حيث أَطلق أراد أنه أرجحهم في ذلك، وحيث لم يُطلق أراد الإشارة إلى من شاركه في شيء من ذلك.
ووقع بيان ذلك في حديث آخر لابن عباس -رضي الله عنهما- رفعه، نحو حديث الترمذيّ، وزاد:"منه أعتق بلالًا، ومنه هاجر بنبيّه"، أخرجه الطبرانيّ.
وعنه في طريق أخرى:"ما أحد أعظم عندي يدًا من أبي بكر، واساني بنفسه، وماله، وأنكحني ابنته"، أخرجه الطبراني.
وفي حديث مالك بن دينار، عن أنس -رضي الله عنه- رفعه:"إن أعظم الناس علينا مَنًّا أبو بكر، زوّجني ابنته، وواساني بنفسه، وإن خير المسلمين مالًا أبو بكر، أعتق منه بلالًا، وحملنى إلى دار الهجرة"، أخرجه ابن عساكر.
وأخرج من رواية ابن حبان التيميّ عن أبيه، عن عليّ نحوه.
وجاء عن عائشة -رضي الله عنها- مقدار المال الذي أنفقه أبو بكر، فروى ابن حبان من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:"أنفق أبو بكر على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أربعين ألف درهم".
وروى الزبير بن بكار، عن عروة، عن عائشة:"أنه لما مات ما ترك دينارًا ولا درهمًا".
(وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا) قال في "العمدة": معنى