مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- مَسْأَلَةٌ: ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ النَّهْيَ فِي قَولِهِ: ((لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ)) أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مِثْلِ إِطْرَاءِ النَّصَارى لِعِيسَى ﵇ فَقَط، يَعْنِي: لَا تُطْرُونِي بِمِثْلِ مَا أَطْرَتِ النَّصَارى ابْنَ مَرْيَم، فَيَكُونُ المَنْهيُّ عَنْهُ هُوَ -فَقَط- أَنْ يُدَّعَى أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ ابْنٌ للهِ تَعَالَى (١)، فَالنَّهْيُ عَنِ الإِطْرَاءِ لَيسَ عَلَى عُمُومِهِ!
الجَوَابُ مِنْ أَوجُهٍ:
١ - أَنَّ الكَافَ هُنَا فِي قَولِهِ ((كَمَا)) هِيَ كَافُ التَّشْبِيهِ (القِيَاسِ)، وَالفَرْقُ بَينَ التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبيهِ: أنَّ التَّمْثِيلَ يَعْنِي المُطَابَقَةَ، بَينَمَا التَّشْبِيهُ يَعْنِي الاشْتِرَاكَ فِي أَصْلِ الشَّيءِ -كَالعِلَّةِ فِي الحُكْمِ-، فَيَكُونُ المَنْهيُّ عَنْهُ هُوَ أَصْلُ الإِطْرَاءِ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ سِيَاقُ الحَدِيثِ؛ فَقَد أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَقُولُوا: ((عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ))، وَهَذَا هُوَ المَآلُ مِنَ النَّهْيِّ عَنِ الإِطْرَاءِ، بِخِلَافِ مَا لَو كَانَ النَّهْيُ هُوَ عَنْ ادِّعَاءِ أَنَّهُ ابْنٌ للهِ تَعَالَى فَقَط -وَالَّذِي يَنْبَنِي عَلِيهِ جَوَازُ ادِّعَاءِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ! وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ مِنْ شِرْكِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النَّحْل: ٦٠] (٢) (٣).
(١) كَمَا قَالَ قَائِلُهُم البُوصِيرِيُّ فِي قَصِيدَةِ البُرْدَةِ: "دَعْ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارى فِي نَبِيِّهِم … وَاحْكُمْ بِمَا شِئْتَ مَدْحًا فِيهِ وَاحْتَكِم".(٢) وَتَقْدِيمُ الجَارِّ وَالمَجْرُورِ فِي قَولِهِ: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ يُفِيدُ الحَصَرَ.(٣) كَمَا قَالَ البُوصِيرِيُّ فِي البُرْدَةِ:"يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ … سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الحَادِثِ العَمَمِ=
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute