- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَلَا يُمْكِنُ القَولُ بِأَنَّ حَلَّ السِّحْرِ بِالسِّحْرِ هُوَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَاتِ؛ وَالقَاعِدَةُ الأُصُوليَّةُ تَقُولُ: الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ (١)؟
الجَوَابُ:
لَا يَجُوزُ، وَذَلِكَ مِنْ جِهَاتٍ:
١ - أَنَّ صُورَةَ النَّهْي فِي الحَدِيثِ عِنْدَمَا سُئِلَ ﵊ عَنِ النُّشْرَةِ -وَهِيَ لِلمَسْحُورِ قَطْعًا- مُطَابِقَةٌ لِلنَّهْي بِقَولِهِ ﵊ عَنْهَا: ((هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ))، فَكَيفَ جَازَتِ النُشْرَةُ بِالسِّحْرِ مِنْ بَابِ الشِّفَاءِ؛ مَعَ أَنَّ النَّصَّ عَلَيهَا بِخِلَافِهَا!!
٢ - أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ إِتْيَانِ الكُهَّانِ أَصْلًا، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (وَمِنَّا رِجَالٌ يَأْتُونَ الكُهَّانَ. قَالَ: (فَلَا تَأْتُوهُمْ)) (٢).
(١) وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الحَنَابِلَةِ إِلَى ذَلِكَ.وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَولُ الحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ ﵀ فِي الفَتْحِ (١٠/ ٢٣٣): "قَولُهُ: (النُّشْرَةُ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ): إِشَارَةٌ إِلَى أَصْلِهَا، وَيَخْتَلِفُ الحُكْمُ بِالقَصْدِ؛ فَمَنْ قَصَدَ بِهَا خَيرًا كَانَ خَيرًا، وَإِلَّا فَهُوَ شَرٌّ".وَهُوَ مَرْدُودٌ كَمَا سَيَأْتِي.قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ وَنَفَعَ بِعِلْمِهِ: "هَذَا وَلَا خِلَافَ عِنْدِي بَينَ الأَثَرَينِ، فَأَثَرُ الحَسَنِ يُحْمَلُ عَلَى الاسْتِعَانَةِ بِالجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالوَسَائِلِ المُرْضِيَةِ لَهُم كَالذَّبْحِ لَهُم وَنَحْوِهِ -وَهُوَ المُرَادُ بِالحَدِيثِ-، وَأَثَرُ سَعِيدٍ عَلَى الاسْتِعَانَةِ بِالرُّقَى وَالتَّعَاوِيذِ المَشْرُوعَةِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِلى هَذَا مَالَ البَيهَقِيُّ فِي السُّنَنِ، وَهُوَ المُرَادُ بِمَا ذَكَرَهُ الحَافِظُ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّن يُطْلِقَ السِّحْرَ عَنِ المَسْحُورِ؟ فَقَالَ: (لَا بَأْسَ بِهِ).وَأَمَّا قَولُ الحَافِظِ: (وَيَخْتَلِفُ الحُكْمُ بِالقَصْدِ؛ فَمَنْ قَصَدَ بِهَا خَيرًا كَانَ خَيرًا؛ وَإلَّا فَهُوَ شَرٌّ)! قُلْتُ: هَذَا لَا يَكْفِي فِي التَّفْرِيقِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ قَصْدُ الخَيرِ مَعَ كَونِ الوَسِيلَةِ إِلَيهِ شَرٌّ! كَمَا قِيلَ فِي المَرْأَةِ الفَاجِرَةِ: (لَيتَهَا لَمْ تَزْنِ وَلَمْ تَتَصَدَّقِ". الصَّحِيحَةُ (٢٧٦٠).(٢) مُسْلِمٌ (٥٣٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute