- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القَصَص: ٥٦] بَيَانُ أَنَّ الهِدَايَةَ لَيسَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ! فَمَا الجَوَابُ عَنْ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشُّورَى: ٥٢]؟!
الجَوَابُ:
إِنَّ الهِدَايَةَ المَنْفِيَّةَ هِيَ هِدَايَةُ التَّوفِيقِ لِدُخُولِ الإِسْلَامِ، وَهَذِهِ لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، فَهِيَ تُطْلَبُ مِنْهُ، وَيُمَثَّلُ لَهَا بِقَولِهِ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُم)) (١)، وَأَمَّا الهِدَايَةُ المُثْبَتَةُ فَهِيَ غَيرُهَا، وَمَعْنَاهَا هُنَا هِدَايَةُ البَيَانِ وَالإِرْشَادِ وَالدِّلَالَةِ، وَيُمَثَّلُ لَهَا أَيضًا بِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَينَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [فُصِّلَت: ١٧].
قَالَ الإِمَامُ الرَّازِي ﵀: "قَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وَلَا تَنَافِيَ بَينَهُمَا؛ فَإِنَّ الَّذِي أَثْبَتَهُ وَأَضَافَهُ إِلَيهِ: الدَّعْوَةُ وَالبَيَانُ، وَالَّذِي نَفَى عَنْهُ: هِدَايَةُ التَّوفِيقِ، وَشَرْحُ الصَّدْرِ، وَهُوَ نُورٌ يُقْذَفُ فِي القَلْبِ فَيَحْيَا بِهِ القَلْبُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيتًا فَأَحْيَينَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا﴾ [الأَنْعَام: ١٢٢] الآيَةُ" (٢).
(١) رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ مَرْفُوعًا، وَهُوَ قُدُسِيٌّ. صَحِيحِ مُسْلِمٍ (٢٥٧٧).(٢) تَفْسِيرُ الرَّازِي (٥/ ٢٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute