الشَّرْحُ
- سَبَبُ النَّهْي عَنْ سَبِّ الرِّيحِ هُوَ أَنَّ مَسَبَّتَهَا مَسَبَّةٌ لِلآمِرِ لَهَا؛ وَهُوَ اللهُ ﷾! حَيثُ إنَّهَا مَأْمُورَةٌ مِنْ قِبَلِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ، وهَذَا قَدْحٌ فِي التَّوحِيدِ، وَفِي الحَدِيثِ: إِنَّ رَجُلًا نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ فَلَعَنَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا تَلْعَنْهَا؛ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيئًا لَيسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيهِ)) (١).
قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: "وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسُبَّ الرِّيحَ؛ فَإِنَّهَا خَلْقٌ للهِ مُطِيعٌ وَجُنْدٌ مِنْ أَجْنَادِهِ يَجْعَلُهَا رَحْمَةً وَنَقْمَةً إِذَا شَاءَ" (٢).
وَتَأَمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَينَ يَدَي رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النَّمْل: ٦٣].
وَأَيضًا قَولَهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [الشُّورَى: ٣٢ - ٣٣].
- إِنَّ الرِّيحَ لَا تُسَبُّ وَلَا تُمْدَحُ، فَهِيَ لَا تُسَبُّ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَأَيضًا لَا تُمْدَحُ - أَي: مِنْ جِهَةِ نِسْبَةِ النِّعْمَةِ إِلَيهَا، وَلَيسَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الإِخْبَارِ وَالوَصْفِ- لِأَنَّ فِي هَذَا تَنَقُّصًا لِلهِ ﷿؛ وِإِسْنَادًا لِلأُمُورِ إِلَى غَيرِهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ قَولِ اللهِ تَعَالَى:
(١) صَحِيحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٤٩٠٨) عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَةُ (٥٢٨).(٢) ذَكَرَهُ البَيهَقِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالآثَارِ) (٧٢٥٠) بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ -أَعَلَّهُ بِذَلِكَ المُنَاوِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ فَيضُ القَدِيرِ (٦/ ٣٩٩) - وَفِيهِ: شَكَا رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الفَقْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((لَعَلَّكَ تَسُبُّ الرِّيحَ))؟!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute