- المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: إِذَا كَانَتِ الهِدَايَةُ مِنَ اللهِ تَعَالَى؛ فَكَيفَ يَكُونُ لِلعَبْدِ أَصْلًا سَعْيٌ فِيهَا، وَمَا الَّذِي يُمَيِّزُ العَاصِي عَنِ الطَّائِعِ؟
الجَوَابُ:
إنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِ كُلِّ عَبْدٍ، فَإِذَا عَلِمَ مِنْهُ صِدْقَ الطَّلَبِ لِلهِدَايَةِ، وَالإِنْصَافَ فِي سَمَاعِ الحَقِّ وَتَمْيِيزَهُ، وَحِرْصَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَهْدِيه كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأَنْفَال: ٢٣]، وَهَذِهِ الهِدَايَةُ هِيَ فَضْلٌ وَرَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ.
وَأَمَّا المُعْرِضُ عَنْ سَمَاعِ وَتَدَبُّرِ الآيَاتِ؛ المُسْتَكْبِرُ عَنِ الحَقِّ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَطْمِسُ عَلَى قَلْبِهِ فَلَا يَشْرَحُ صَدْرَهُ لِلِإسْلَامِ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [يُونُس: ١٠٠)، فَلَا يَجِدُ المُعْرِضُ مَا يَجِدُ المُؤْمِنُ مِنْ حَلَاوَةِ الطَّاعَاتِ وَمَحَبَّةِ العِبَادَةِ وَالتَّعَلُّقِ بِاللهِ تَعَالَى وَالفَرَحِ بِذِكْرِ اللهِ وَالاطْمِئْنَانِ إِلَى السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَالانْشِرَاحِ إِلَيهَا (١).
(١) وَكَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصَّف: ٥].قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثيرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (٨/ ١٠٩): "وَقَولُهُ: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾: أَي: فَلَمَّا عَدَلُوا عَنِ اتِّبَاعِ الحَقِّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ؛ أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ عَنِ الهُدَى، وَأَسْكَنَهَا الشَّكَّ وَالحَيرَةَ وَالخُذْلَانَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأَنْعَامِ: ١١٠]، وَقَالَ: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النِّسَاءِ: ١١٥] وَلِهَذَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute