- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا حُكْمُ التَّبَرُّكِ بِالصَّالِحِينَ، وَبِمَاءِ زَمْزَمَ، وَالتَّعَلُّقِ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ؟
الجَوَابُ:
١ - أَمَّا التَّبَرُّكُ بِالصَّالِحِينَ فَقِسْمَانِ:
أ- تَبَرُّكٌ بِذَوَاتِهِم؛ بِعَرَقِهِم؛ بِسُؤْرِهِم؛ بِشَعْرِهِم؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مِنَ البِدَعِ المُحْدَثَة، وَلَمْ يَجْرِ عَلَيهِ عَمْلُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِم مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ -وَهُم سَادَةُ أَولِيَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ- (١)، فَهَذَا التَّبَرُّكُ بِالذَّوَاتِ خَاصٌّ بِالأَنْبِيَاءِ فَقَط (٢).
(١) قَالَ العَلَّامَةُ الشَّاطِبِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ الاعْتِصَامُ (١/ ٤٨٢): "إِلَّا أَنَّهُ عَارَضَنَا فِي ذَلِكَ أَصْلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي مَتْنِهِ، مُشْكِلٌ فِي تَنْزِيلِهِ، وَهُوَ أَنَّ الصَّحَابةَ ﵃ لَمْ يَقَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُم شَيءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ خَلْفِهِ، إِذْ لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَهُ فِي الأُمَّةِ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ فَهُوَ كَانَ خَلِيفَتُهُ، وَلَمْ يُفْعَلْ بِهِ شِيءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا عُمَرُ ﵁، وَهُوَ كَانَ أَفْضَلَ الأُمَّةِ بَعْدَهُ، ثُمَّ كَذَلِكَ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، ثُمَّ سَائِرَ الصَّحَابَةِ -الَّذِينَ لَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنْهُم فِي الأُمَّةِ-، ثُمَّ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُم مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ مَعْرُوفٍ أَنَّ مُتَبَرِّكًا تَبَرَّكَ بِهِم عَلَى أَحَدِ تِلْكَ الوُجُوهِ أَو نَحْوِهَا، بَلِ اقْتَصَرُوا فِيهِم عَلَى الاقْتِدَاءِ بِالأَفْعَالِ وَالأَقْوَالِ وَالسِّيَرِ الَّتِي اتَّبَعُوا فِيهَا النَّبِيَّ ﷺ؛ فَهُوَ إِذًا إِجْمَاعٌ مِنْهُم عَلَى تَرْكِ تِلْكَ الأَشْيَاءِ".قُلْتُ: وَكَذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ التَّبَرُّكَ مَعَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَلَا فَاطِمَةَ ﵃ أَجْمَعِينَ، فَالبَرَكَةُ الذَّاتيَّةُ لَا تَنْتَقِلُ بِالنُّطْفَةِ! خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ غَيرَ ذَلِكَ مِنَ الرَّافِضَةِ وَمُقَلِّدِيهِم، وَتَأَمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ عَلَيهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [الصَّافَّات: ١١٣] فَفِي ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ، رَغُمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى بَارَكَ عَلَيهِمَا.قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (ص ٧٠٦): "اقْتَضَى ذَلِكَ البَرَكَةَ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا، وَأَنَّ مِنْ تَمَامِ البَرَكةِ أَنْ تَكُونَ الذُّريَّةُ كُلُّهُم مُحْسِنِينَ! فَأَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ مِنْهُم مُحْسِنًا وَظَالِمًا. وَاللهُ أَعْلَمُ".(٢) وَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ يُرْشِدُ إِلَى مَا هُوَ أَولَى مِنْ هَذَا التَّبَرُّكِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: نَزَلَ بالنَّبِيِّ ﷺ أَضْيَافٌ مِنَ البَحْرَينِ، فَدَعَا النَّبِيُّ بِوَضُوئِهِ، فَتَوَضَّأَ، فَبَادَرُوا إِلَى وُضُوئِهِ فَشَرِبُوا مَا أَدْرَكُوهُ مِنْهُ، وَمَا انْصَبَّ مِنْهُ فِي الأَرْضِ فَمَسَحُوا بِهِ وُجُوهَهُم وَرُؤُوسَهُم وَصُدُورَهُم، فَقَالَ لَهُم النَّبِيُّ ﷺ: ((مَا دَعَاكُم=
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute