- الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ: قَولُ صَاحِبِ البُرْدَةِ: (فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا) لَيسَ فِيهِ مَحْذُورٌ! لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْطَى نَبِيَّهُ فِعْلًا مَزِيَّةِ إِنْقَاذِ النَّاسِ مِنَ النَّارِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ؛ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: (أَخْرِجْ مَنْ فِي قَلْبِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ إِيمَانٍ)!
الجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوجُهٍ:
١ - أَنَّ اللهَ تَعَالَى لم يُمَلِّكِ الشَّفَاعَةَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ!
قَالَ تَعَالَى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الزُّمَر: ٤٣ - ٤٤].
وَتَأَمَّلْ كَونَ المَلَائِكَةِ وَعُزَيرًا وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ كَيفَ أَنَّهُم آلِهَةٌ عِنْدَ المُشْرِكِينَ؛ وَقَدْ نَفَى اللهُ مُلْكَهُم لِلشَّفَاعَةِ وَدُعَاءَهُم بِقَصْدِهَا؛ مَعَ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالمَلَائِكَةَ لَهُم شَفَاعَةٌ يَومَ القِيَامَةِ! كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ المَلَائِكَةِ: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأَنْبِيَاء: ٢٨].
وَفِي الحَدِيثِ: ((مَا أُعْطِيكُمْ وَلَا أَمْنَعُكُمْ! إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ؛ أَضَعُ حَيثُ أُمِرْتُ)) (١).
وَكَونُهُ تَعَالَى أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ؛ فَهُوَ مِنْ بَابِ إِكْرَامِهِ وَإِظْهَارِ شَرَفِهِ عَلَى غَيرِهِ؛ وَلَيسَ مِنْ بَابِ تَمَلُّكِهَا اسْتِقْلَالًا! لِذَلِكَ لَمْ تَنْفَعْ شَفَاعَتُهُ ﷺ لِأُمِّهِ كَمَا فِي الحَدِيثِ: ((اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي ﷿ فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا؛ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي)) (٢).
(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٣١١٧) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا.(٢) وَالحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (٩٧٦) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ قَالَ: زَارَ رَسُولُ اللهِ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَولَهُ، وَقَالَ: ((اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي ﷿ فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا؛ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي؛ فَزُورُوا القُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ المَوتَ)).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute