- المَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: هَلِ رُؤْيَا المَنَامِ تُعْتَبَرُ مِنَ العِلْمِ بِالغَيبِ؟
الجَوَابُ:
لَا، لَيسَ مِنَ العِلْمِ بالغَيبِ، إِلَّا إِنْ كَانَتْ لِلأَنْبِيَاءِ فَهِي مِنْ جُمْلَةِ شُؤُونِ النُّبُوَّةِ، بِخِلَافِ المَنَامِ الَّذِي يَراهُ الرَّجُلُ مِنَّا؛ فَمِنْهُ الحَقُّ ومِنْهُ البَاطِلُ.
وَلَيسَ مَعْنَى الحَقِّ هُنَا أَنَّهُ يَجْزِمُ بِكَونِهِ غَيبًا! وَلَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ نَوعُ إطْلَاعٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُ عَلَى شَيءٍ مِنَ الغَيبِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنَ الكَرَامَاتِ الَّتِي يُعْطِيهَا اللهُ تَعَالَى لِلعَبْدِ (١) أَوْ مَا يُجْرِيهَا تَعَالَى لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا، خَاصَّةً وَأَنَّ هَذِهِ المَنَامَاتِ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ جَاءَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ المَرْفُوعِ وَهُوَ: ((رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللهِ. فَمَنْ رَأَى شَيئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ)). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (٢).
وَأَمَّا قَولُهُ: ((رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ)) فَمَعْنَاهُ: "إِنْ وَقَعَتِ الرُّؤيَا مِنَ النَّبِيِّ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ حَقِيقَةً، وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ غَيرِ النَّبِيِّ فَهِي جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبوَّةِ عَلَى سَبِيلِ المَجَازِ.
وَقَالَ الخَطَّابيُّ: قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ الرُّؤيَا تَجِيءُ عَلَى مُوافَقَةِ النُّبوَّةِ؛ لِأَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ.
وَقِيلَ: المَعْنَى أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ -وَإِنِ انْقَطَعَتْ- فَعِلْمُهَا بَاقٍ" (٣) (٤).
(١) وَإِنْ كَانَتْ أَيضًا لَا تَخْتَصُّ مُطْلَقًا بِالصَّالِحِينَ؛ كَمَا فِي رُؤْيَةِ مَلِكِ مِصْرَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ ﵊.(٢) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٧٠١٧)، وَمُسْلِمٌ (٢٢٦٣).(٣) أَفَادَهُ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي الفَتْحِ (١٢/ ٣٦٣).(٤) قَالَ الحَافِظ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي الفَتْحِ (١٢/ ٣٦٣): "وَتُعقّبَ بِقَولِ مَالِكٍ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ ﵀=
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute