الشَّرْحُ
- الرِّضَى عِنْدَ مَنْ حُلِفَ لَهُ باللهِ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ المَحْلُوفِ بِهِ، وَفِي الصَّحِيحَينِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ: ((رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟! قَالَ: كَلَّا؛ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَينِي)) (١).
- قَولُهُ: ((مَنْ حُلِفَ لَهُ باللهِ فَلْيَرْضَ)) لَهُ جِهَتَانِ:
١ - مِنْ جِهَةٍ شَرعِيَّةٍ: يَجِبُ القَبُولُ؛ لِأَنَّه مِنَ الرِّضَى بالحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَخَاصَّةً عِنْدَ القَاضِي.
وَلَعَلَّ هَذَا الوَجهَ هُوَ المَقْصُودُ مِنَ البَابِ لِقَولِهِ: (مَا جَاءَ فِيمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِالحَلِفِ بِاللَّهِ) فَمَطْلُوبُهُ إِظْهَارُ القَنَاعَةِ، وَهُوَ دَلِيلُ تَعْظِيمِ المَحْلُوفِ بِهِ (٢).
٢ - مِنْ جِهَةٍ حِسِّيَّةٍ: إِنْ كَانَ الحَالِفُ مَوضِعَ ثِقَةٍ؛ فَيَجِبُ الرِّضَى وَإلَّا فَلَا يَجِبُ، كَمَا لَو كَانَ كَافِرًا أَو مَعْرُوفًا بِكَذِبِهِ (٣).
(١) البُخَارِيُّ (٣٤٤٤)، وَمُسْلِمٌ (٢٣٦٨).(٢) وَلَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ إِنْ تَرَجَّحَ كَذِبُهُ عِنْدَهُ.(٣) كَمَا فِي البُخَارِيِّ (٦٨٩٨)، وَمُسْلِمٍ (١٦٦٩) عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ؛ قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيدٍ إِلَى خَيبَرَ -وَهِيَ يَومَئِذٍ صُلْحٌ- فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَمَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ المَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ؛ فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: ((كَبِّرْ كَبِّرْ)) -وَهُوَ أَحْدَثُ القَومِ- فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا فَقَالَ: ((تَحْلِفُونَ؛ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَو صَاحِبَكُمْ))؟ قَالُوا: وَكَيفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ؟! قَالَ: ((فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ))، فَقَالُوا: كَيفَ نَأْخُذُ أَيمَانَ قَومٍ كُفَّارٍ؟! فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ عِنْدِهِ.قُلْتُ: والشَّاهِدُ أنَّهم لَمْ يَقْبَلوا بِأَيمَانِ اليَهُودِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute