مِنَ التَّوحِيدِ -وَهُوَ تَوحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ-، وَلَكِنْ فِي تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتِ الكُتُبُ، فَأَكْثَرُ الأُمَمِ الكَافِرَةِ كَانَتْ تُقِرُّ للهِ تَعَالَى بِالخَلْقِ وَالمُلْكِ وَالتَّدْبِيرِ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تُخْلِصُ للهِ تَعَالَى فِي العِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ، لِذَلِكَ فَإِنَّ الأَمْرَ القُرْآنِيَّ لِلمُشْرِكِينَ بِالعِبَادَةِ يُقْصَدُ بِهِ إِفْرَادُ اللهُ بِالعِبَادَةِ (١)، لِأَنَّهُم كَانُوا يَعْبُدُونُ اللهَ تَعَالَى وَلَكِنْ يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيرَهُ؛ فَكَانَ اللهُ تَعَالَى يَحْتَجُّ عَلَى المُشْرِكِينَ بِمَا يُقِرُّونَهُ مِنْ رُبُوبِيَّتِهِ وَحْدَهُ عَلَى مَا يُنْكِرُونَهُ مِنْ أُلُوهِيَّتِهِ وَحْدَهُ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العَنْكَبُوت: ٦١] (٢).
- أَنْوَاعُ الشِّرْكِ: يُقْسَمُ إِلَى شِرْكٍ أَكْبَرَ، وَشِرْكٍ أَصْغَرَ:
١ - الشِّرْكُ الأَكْبَرُ: هُوَ أَنْ يَصْرِفَ العَبْدُ نَوعًا أَو فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ العِبَادَةِ لِغَيرِ اللهِ.
فَكُلُّ اعْتِقَادٍ أَو قَولٍ أَو عَمَلٍ ثَبَتَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنَ الشَّارِعِ للهِ؛ فَصَرْفُهُ للهِ وَحْدَهُ تَوحِيدٌ وَإِيمَانٌ وَإِخْلَاصٌ، وَصَرْفُهُ لِغَيرِهِ شِرْكٌ وَكُفْرٌ (٣).
٢ - الشِّرْكُ الأَصْغَرُ: هُوَ كُلُّ وَسِيلَةٍ وَذَرِيعَةٍ يُتَوَصَّلُ مِنْهَا إِلَى الشِّرْكِ الأَكْبَرِ مِنَ
(١) قَالَ الطَّبَرِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (١/ ٣٦٢): "وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسَ -فِيمَا رُوِيَ لَنَا عَنْهُ- يَقُولُ فِي ذَلِكَ نَظِيرَ مَا قُلْنَا فِيهِ؛ غَيرَ أنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مَعْنَى (اعْبُدُوا رَبَّكَم): وَحِّدُوا رَبَّكُم. وَقَدْ دَلَلْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى العِبَادَةِ: الخُضُوعُ للهِ بِالطَّاعَةِ".(٢) قَالَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي التَّفْسِيرِ (٢٠/ ٥٨): "يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ المُشْرِكِينَ بِاللهِ: مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَسَوّاهُنَّ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لِعِبَادِهِ يَجْرِيَانِ دَائِبِينِ لِمَصَالِحِ خَلْقِ اللهِ؟ لَيَقُولُنَّ: الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ وَفَعَلَه اللهُ، ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَنَّى يُصْرَفُونَ عَمَّنَ صَنَعَ ذَلِكَ فَيَعْدِلُونَ عَنْ إِخْلَاصِ العِبَادَةِ لَهُ؟! ".(٣) القَوْلُ السَّدِيْدُ (ص ٥٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute