وبالجملة، فكلّ ما قصّ اللَّه تعالى في كتابه عن الأنبياء وغيرهم، من مكارم الأخلاق، أو حثّ عليه، أو ندب إليه، أو ذُكر بالوصف الأتمّ، والنعت الأكمل، كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- متحلّيًا به، ومتوليًا له، ومتخلّقًا به، وبالغًا فيه من المراتب أقصاها، حتى جُمِع له من ذلك ما تفرّق في سائر الخلق، وكلّ ما نَهَى اللَّه عنه كان -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يحوم حوله، بل كان أبعد الناس منه، ولذا أثنى اللَّه تعالى عليه بأعظم الثناء، حيث قال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤](١).
(قَالَ) سعد بن هشام (فَهَمَمْتُ) أي: قصدت، يقال: هَمَمْتُ بالشيء هَمًّا، من باب قَتَلَ: إذا أردته، ولم تفعله، وفي الحديث:"لقد هَمَمتُ أن أنهى عن الْغِيلة. . . " الحديث؛ أي: عن إتيان المرضع، قاله في "المصباح"(٢).
(أَنْ أَقُومَ) أي: من مجلس سؤالي لها (وَلَا أَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ) أي: من أخلاق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (حَتَّى أَمُوتَ) يعني أن سعدًا أراد أن يقوم من عند عائشة -رضي اللَّه عنها- حيث أجملت له ما كان عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، على وجهٍ أكملَ، وأوجز، حينما أحالته على القرآن الكريم الجامع لكلّ صفات الكمال، والمنفّر عن كلّ ذميم الخصال، فيمكنه تتبع أخلاقه -صلى اللَّه عليه وسلم- منه إجمالًا وتفصيلًا، فلا يبقى عليه حاجة إلى سؤال شيء من أخلاقه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما قال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨]، وقوله:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} الآية [النحل: ٨٩]، وهذا من فصاحة عائشة -رضي اللَّه عنها-، وغزارة علمها، حيث أوجزت، وأبلغت، وأتقنت.