به هنا ما كان عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من الآداب والمكارم (١).
(قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟) الظاهر أنه استفهام تقريريّ؛ لأنها تعرف أنه ممن قرأ القرآن، ويَحْتَمل أن يكون استفهامًا حقيقيًّا؛ بناء على أنها لم تعرف قراءته.
(قُلْتُ: بَلَى) أي: بلى قرأت القرآن، فـ "بلى": حرف إيجاب، فإذا قيل: ما قام زيدٌ، وقلت في الجواب: بلى، فمعناه إثبات القيام، وإذا قيل: أليس كان كذا، وقلت: بلى، فمعناه التقرير، والإثبات، ولا تكون إلا بعد نفي، إما في أول الكلام، أو في أثنائه، كقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى} [القيامة: ٣، ٤] والتقدير: بل نجمعها، وقد يكون مع النفي استفهام، وقد لا يكون، فهو أبدًا يرفع حكم النفي، ويوجب نقيضه، وهو الإثبات، قاله الفيّوميُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).
(قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ الْقُرْآنَ) قال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: كان يتخلّق بما فيه من محمود الأوصاف، ويَجتنب ما فيه من ممنوعها، ويَحْتَمِلُ أن تُريد بقولها:"القرآن" الآيات التي اقتضت الثناء على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤]، وكقوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} الآية [الأعراف: ١٥٧]، وما في معنى ذلك، واللَّه أعلم. انتهى (٣).
وقال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه العمل بالقرآن، والوقوف عند حدوده، والتأدّب بآدابه، والاعتبار بأمثاله، وقصصه، وتدبّره، وحسن تلاوته. انتهى (٤).
وحاصل المعنى: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان متمسكًا بآداب القرآن، وأوامره، واقفًا عند حدوده، معتبرًا بأمثاله وقصصه، محسّنًا لتلاوته، فكان عاملًا بقول اللَّه تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩]، وقوله تعالى إخبارًا عن لقمان:{أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} الآية [لقمان: ١٧]، وقوله:{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ}[المائدة: ١٣]، وغيرِ ذلك.