[فإن قيل]: كيف بعث النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالخميصة إلى أبي جهم، وقد أخبر عن نفسه بأنها ألهته في صلاته مع قُوّته -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكيف لا تَشْغَل أبا جهم عن صلاته؟.
[أجيب]: بأنه لَمْ يَبْعَث بها إليه ليلبسها في الصلاة، بل لينتفع بها في غير، الصلاة، كما قال في حلة عُطارد:"إني لَمْ أبعث بها إليك لتلبسها. . . " الحديث، قاله ولي الدين العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال في "الفتح": ويَحْتَمِل أن يكون ذلك من جنس قوله: "كُلْ فإني أُناجي من لا تناجي". انتهى.
[فإن قيل]: كيف يَخاف الافتتان مَن لا يلتفت إلى الأكوان {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧)} [النجم: ١٧]؟.
[أجيب]: بأنه كان في تلك الليلة خارجًا عن طباعه، فأشبه ذلك نظره من ورائه، فأما إذا رُدّ إلى طبعه البشري، فإنه يؤثّر فيه ما يؤثّر في البشر.
[فإن قيل]: إن المراقبة شَغَلت خلقًا من أتباعه حتى وقع السقف إلى جانب مسلم بن يسار، ولم يَعْلَم به.
[أجيب]: بأن أولئك يؤخذون عن طباعهم، فيَغِيبون عن وجودهم، وكان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَسْلُك طريق الخواص وغيرهم، فإذا سلك طريق الخواص قال:"لست كأحدكم"، وإذا سلك طريق غيرهم قال:"إنما أنا بشر"؛ فنَزْعُ الخميصة يكون من الثاني (١)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال: