وفي رواية النسائيّ:"فَأَخَذْنَ قَصَبَةً، فَجَعَلْنَ يَذْرَعْنَهَا"، ولفظ البخاريّ:"فأخذوا قصبةً يذرعونها" بالواو؛ أي: يقدّرونها بذراع كل واحدة منهنّ، وإنما ذكره بلفظ جمع المذكر بالنظر إلى لفظ الجمع، لا بلفظ جماعة النساء، وقد قيل في قول الشاعر:
أنه ذَكره بلفظ جَمْع المذكر تعظيمًا، وقوله:"أطولكنّ" يناسب ذلك، وإلا لقال: طولاكنّ، قاله في "الفتح"(١).
(قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها -: (فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ) بنت جحش - رضي الله عنها -، ثم بيّنت سبب كونها أطولهنّ، فقال:(لأنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَما، وَتَصَدَّقُ) وفي رواية للبيهقي في "دلائل النبوّة": "قُلن النسوة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أينا أسرع بك لحوقًا؟ قال: أطولكن يدًا، فأخذن يتذارعن أيتهن أطول يدًا، فلما تُوفيت زينب علمن أنَّها كانت أطولهن يدًا في الخير والصدقة".
وأخرج الحاكم في "مستدركه" عن عائشة - رضي الله عنها -: "قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأزواجه: أسرعكنّ لحوقًا بي أطولكن يدًا، قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نمدّ أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك، حتى تُوفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صَنّاعةً باليد، وكانت تدبُغ، وتخرز، وتصدّق في سبيل الله"، قال الحاكم: على شرط مسلم (٢).
وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "تطاول أزواجه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأيديهنَّ: مقايسة أيدي بعضهنّ ببعض؛ لأنَّهن حَمَلن الطول على أصله، وحقيقته، ولم يكن مقصودُ النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك؛ وإنَّما كان مقصودُه طولَ اليد بإعطاء الصدقات، وفعلِ المعروف، وبيَّن ذلك أنه لمّا كانت زينب أكثر أزواجه فعلًا للمعروف، والصدقات كانت أوّلهن موتًا، فظهر صِدْقه، وصحّ قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". انتهى (٣)، والله تعالى أعلم.