كأنَّه دُمْلُجٌ مِن فِضَّةٍ نَبَهٌ … في مَلْعَبٍ مِن جواري الحَيِّ مَفْصُومُ
شَبَّه الغزال، وهو نائم بدملج فضة قد طُرح، ونُسِي، وكل شيء سقط من إنسان، فنسيه، ولم يهتد له فهو نَبَهٌ. انتهى (١).
(وَقَدْ وَعَيْتُهُ) -بفتح العين-؛ أي: حَفِظت، وفَهِمت. قال ابن منظور -رحمه اللهُ-: الوَعْيُ حفظ القلب الشيءَ، يقال: وَعَى الشيءَ، والحديثَ يَعِيه وَعْيًا، من باب وَعَدَ، وأوعاه: حَفِظَه، وفَهِمَهُ، وقَبِلَه، فهو واعٍ، وفلان أوعى من فلان؛ أي: أحفظ، وأفهم. وقال الجوهريّ -رحمه اللهُ-: أوعَيتُ الزادَ والمتاعَ: إذا جعلته في الوعاء، قال عَبِيدُ بن الأبْرَصِ [من البسيط]:
الْخَيْرُ يَبْقَى وَإنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ … وَالشَّرُّ أخْبثُ مَا أوْعَيْتَ مِنْ زَادِ
انتهى كلام ابن منظور بتصرف، واختصار (٢).
والجملة في محل نصب على الحال من فاعل "يفصم".
وفي رواية البخاريّ: "وقد وَعَيتُ عنه ما قال"، و"ما" مصدرية حرفية، أو اسم موصول، والعائد مقدَّر؛ أي: والحال أني قد حفظت عن ذلك الملَك قوله، أو القول الذي قاله.
وفيه إسناد الوحي إلى قول الملك، ولا معارضة بينه وبين قوله تعالى حكاية عمن قال من الكفار: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)} [المدثر: ٢٥]؛ لأنهم كانوا يُنكرون الوحي، ويُنكرون مجيء الملَك به، قاله في "الفتح" (٣).
(وَأَحْيَانًا) جمع حِين، يُطلق على كثير الوقت وقليله، والمراد به هنا مجرد الوقت، فكأنه قال: أوقاتًا يأتيني، وانتصابه على الظرفية، وعامله "يأتيني" مقدّرًا بدليل ما قبله، فقوله: (مَلَكٌ) فاعل بالفعل المقدّر؛ أي: يأتيني ملك.
وفي رواية للبخاريّ في "بدء الخلق": "كل ذلك يأتي الملك"؛ أي: كل ذلك حالتان، فذكرهما.
وروى ابن سعد من طريق أبي سلمة الماجشون أنه بلغه أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "كان الوحي يأتيني على نحوين: يأتيني به جبريل، فيُلقيه عليّ كما يلقي
(١) "لسان العرب" ١٢/ ٤٥٣.
(٢) "لسان العرب" ١٥/ ٣٩٧.
(٣) "الفتح" ١/ ٤٩ - ٥١، كتاب "بدء الوحي" رقم (٢).