وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ -رَحمه اللهُ- (١): "فيفصم عني"؛ أي: ينفرج عني، ويذهب، كما يُفصَمُ الخلخالُ إذا فتحتَه لتخرجه عن الرِّجل، وكل عُقدة حللتها، فقد فصمتها، قال الله تعالى:{فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}[البقرة: ٢٥٦]، وانفصام العروة: أن تَنْفَكَّ عن موضعها، وأصل الفصم عند العرب: أن تفكّ الخَلْخال، ولا تُبينَ كسره، فإذا كسرته، فقد قصمته -بالقاف- قال ذو الرمة [من البسيط]:
وقال في "العمدة": قوله: "فيفصم عني" فيه ثلاث روايات:
[الأولى]: وهي أفصحها بفتح الياء، وإسكان الفاء، وكسر الصاد المهملة. قال الخطابي: معناه، يُقلع، ويتجلى ما يغشاني منه، قال: وأصل الفصم: القطع، ومنه:{لَا انْفِصَامَ لَهَا}[البقرة: ٢٥٦]، وقيل: إنه الصَّدْع بلا إبانة، وبالقاف قطعٌ بإبانة، فمعنى الحديث: أن الملَك فارقه ليعود.
[الثانية]: بضم أوله، وفتح ثالثه، على صيغة المجهول من المضارع الثلاثي.
[الثالثة]: بضم أوله، وكسر ثالثه، من أفصم المطرُ: إذا أقلع، وهي لغة قليلة.
وقال العلامة ابن منظور -رَحمه اللهُ-: الفَصْم: الكسر من غير بينونة، فَصَمه يَفْصِمُه فَصْمًا، فانْفَصَم: كسره من غير أن يَبين، وتَفَصَّم مثله، وفَصَّمه فَتَفَصَّم، وخَلْخال أفْصَمُ مُتَفَصِّم، قال عمارة بن راشد [من الطويل]:
وفُصِم جانبُ البيتِ: انهدمَ، والانفِصامُ: الانقطاع، وفي التنزيل العزيز:{لَا انْفِصَامَ لَهَا}؛ أي: لا انقطاع لها، وقيل: لا انكسار لها، وقال أبو عبيد: الفَصم بالفاء: أن ينصدع الشيء من غير أن يَبِين، من فَصَمتُ الشيء أَفْصِمه فَصْمًا: إذا فعلت ذلك به، فهو مَفصُوم، قال ذو الرمة يذكر غزالًا شبّهه بدُمْلُج فضة [من الطويل]:
(١) "التمهيد" ٢٢/ ١١٤ - ١١٥، و"الاستذكار" ٨/ ٦٧ - ٦٨. (٢) "النبه" بفتحتين: كل شيء سقط عن الإنسان، فنسيه، قاله في "اللسان".