وقال ابن الأثير - رحمه الله - في "النهاية": القنوت في الحديث يَرِدُ بمعانٍ متعدّدة؛ كالطاعة، والخشوع، والصلاة، والصوم، والدعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام، والسكوت.
قال الطيبيّ - رحمه الله -: يَحْتَمِل أن يراد بالقانت هنا القائم، فيكون تعلّق الباء به كتعلّقه في قولك: قام بالأمر: إذا جدّ فيه، وتجلّد له، فالمعنى: القائم بما يجب عليه من استفراغ الجهد في معرفة كتاب الله، والامتثال بما أمر الله، والانتهاء عما نهى الله، وأن يُراد بطول القيام، فيكون تابعًا للقائم؛ أي: المصلّي الذي يطوّل قيامه في الصلاة، وتكثُر قراءته فيها، ويؤيّد الوجه الثاني قوله:"لا يفتر من صيام، ولا صلاة". انتهى (١).
(لَا يَفْتُرُ) بضمّ التاء، يقال: فَتَرَ عن العمل فُتُورًا، من قَعَدَ: انكسرت حِدّته، وَلَانَ بعد شِدّته (٢). (مِنْ صِيَامٍ) متعلّق بـ "يفتُر"، (وَلَا صَلَاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى")؛ أي: سَلِم من القتل، أو يُستشهد.
وفي رواية البخاريّ: "مَثَل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمَثَل الصائم، القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالِمًا مع أجر، أو غنيمة".
وفي رواية النسائي: "مَثَل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد"، وفي "الموطأ"، وابن حبان: "كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صيام ولا صلاة، حتى يرجع"، ولأحمد، والبزار، من حديث النعمان بن بشير، مرفوعًا: "مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم نهاره، القائم ليله".
[فإن قلت]: فبم شُبّه حال المجاهد في سبيل الله بحال الصائم؟.
[أجيب]: بأن ذلك في نيل الثواب في كل حركة وسكون، في كلّ حين وأوان؛ لأن المراد من الصائم القائم: من لا يفتر ساعةً من ساعاته آناء الليل وأطراف النهار من صومه وصلاته، شُبّه حال المجاهد الذي لا تخلو ساعةٌ من