للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فاسدة، نحو شرط الجداول، والماذْيَانات، وهي الأنهار، وهي ما كان يشترط على الزارع أن يزرعه على هذه الأنهار خاصّة لربّ المال، ونحو شرط القصارة، وهي ما بقي من الحبّ في السنبل بعدما يداس، ويقال: القِصْرِيّ، ونحو شرط ما يسقي الربيع، وهو النهر الصغير، فكانت هذه، وما أشبهها شروطًا شرطها ربّ المال لنفسه خاصّةً، سوى الشرط على النصف، والربع، والثلث، فيرى أن نهي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن المزارعة إنما كان لهذه الشروط؛ لأنها مجهولة، فإذا كانت الحصص معلومةً، نحو النصف، والثلث، والربع، وكانت الشروط الفاسدة معدومةً، كانت المزارعة جائزة، وإلى هذه ذهب أحمد بن حنبل، وأبو عُبيد، ومحمد بن إسحاق بن خُزيمة، وغيرهم من أهل الحديث، وإليه ذهب أبو يوسف، ومحمد بن الحسن من أصحاب الرأي - رحمهم الله تعالى - والأحاديث التي مضت في معاملة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر، أو زرع دليلٌ لهم في هذه المسألة.

وقال أيضًا: ومن ذهب إلى هذا زعم أن الأخبار التي ورد النهي فيها عن كرائها بالنصف، أو الئلث، أو الربع إنما هو لِمَا كانوا يُلحقون به من الشروط الفاسدة، فقصّر بعض الرواة بذكرها، وقد ذكرها بعضهم، والنهي يتعلّق بها دون غيرها. انتهى المقصود من كلام البيهقيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد أجاد البيهقي - رَحِمَهُ اللهُ -، وأفاد في كلامه المذكور.

والحاصل أن المزارعة جائزة، إلا ما كان فيها العوض مجهولًا، أو دخلت فيه الشروط الفاسدة، على ما فُصّل آنفًا.

فبهذا تتفق السنن المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتتاكف، ويزول عنها الاضطراب المتوهّم، والاختلاف الذي يظهر في بادئ الرأي، ويظهر أن لكلّ منها وجهًا صحيحًا، ومَرَدًّا مَلِيحًا، وأن ما نَهَى عنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غير ما أباحه وفعله، وفعله أيضًا خلفاؤه الراشدون، وصحابته الأكرمون - رضي الله عنهم -، وهذا هو


(١) راجع: "السنن الكبرى" للبيهقيّ ٦/ ١٣٣ - ١٣٦.