{فَيَعْتَذِرُونَ} إذ ليس بجواب النفي، بل هو معطوف على قوله:{وَلَا يُؤْذَنُ} داخل في سلك النفي، ولو كان جوابًا لكان منصوبًا لا محالة، والمعنى: لا يؤذن لهم في الاعتذار فكيف يعتذرون؟
وبعد: فإن أهل التأويل اختلفوا، فقال بعضهم: في القيامة مواطن في بعضها يتكلمون ويختصمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا يتكلمون، وقد ورد التنزيل بهما (١).
وقال بعضهم: جعل نطقهم كلا نطق، لأنه لا يَنفع ولا يُسمع، فكأنهم لم ينطقوا، وذلك معروف في كلام القوم، يقال لمن جاء بما لا ينتفع به، ما جئت بشيء، وكفاك دليلًا قوله:{صُمٌّ بُكْمٌ}(٢) أي: هم بمنزلة من هو كذلك حين لم ينفعهم ذلك (٣).
وقوله:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} في موضع الحال من المنوي في الظرف الذي هو {فِي ظِلَالٍ}، أي: هم مستقرون في ظلالٍ مقولًا لهم ذلك، وكذا {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا} في موضع الحال من المكذبين، أي: الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم كلوا وتمتعوا، كلاهما قاله الزمخشري، ثم قال: ويجوز أن يكون {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا} كلامًا مستأنفًا خطابًا للمكذبين في الدنيا (٤).
وقوله:{كَذَلِكَ} محل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي: جزاءً مثلَ ذلك الجزاء نجزي المحسنين.
(١) انظر هذا القول في معاني الزجاج ٥/ ٢٦٨. وجامع البيان ٢٩/ ٢٤٣. ومعالم التنزيل ٤/ ٤٣٥. والقرطبي ١٩/ ١٦٦. (٢) سورة البقرة، الآية: ١٨. (٣) انظر معنى هذا القول في التبيان ٢/ ١٢٦٥ وفيه تصحيف. والقرطبي الموضع السابق. (٤) الكشاف ٤/ ١٧٥.