وقوله:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} في {مَا} الأولى ثلاثة أوجه: أحدها - وهو الوجه وعليه الجمهور - أنها موصولة. والثاني: بمعنى (من). والثالث: بمعنى (كيف) فتكون معمول {يَشَاءُ}.
وفي الثانية أيضًا: ثلاثة أوجه:
أحدها - وهو المختار وعليه المشيخة من أهل السنة (١) - أنها نافية، لأنها إذا كانت نافية دل على أن جميع الأشياء بقدر الله واختياره، وليس للعبد فيها شيء سوى اكتسابه بتقدير الله، وفي الحديث ما يعضد هذا، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدَّرَ اللهُ المقاديرَ وكتبها قبل أَنْ يَخلق السمواتِ والأرض بخمسينَ أَلْف سنةٍ". وفي رواية أخرى:"فرغ الله من المقادير وأَمْرِ الدنيا قبل أَنْ يَخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة"(٢).
والثاني: موصولة منصوبة بقوله: {وَيَخْتَارُ}، والراجع إلى الموصول محذوف، والتقدير: ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة، أي: يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح، وهو - سبحانه - أعلم بمصالحهم مِن أنفسهم، ثم حذف (فيه) للعلم به، كما حذف (منه) في قوله جل ذكره: {إِنَّ ذَلِك مِنْ عَزمِ الْأُمُوُرِ}(٣)، وقولهم: السَّمْنُ مَنَوانِ بدرهم، لذلك، {الْخِيَرَةُ} اسم {كَانَ}، و {لَهُمُ} خبرها.
وأنكر الطبري أن تكون (ما) نافية لئلا يكون المعنى: أنهم لم تكن
(١) كذا نص ابن عطية ١٢/ ١٨٢ على أنه مذهب جمهور الناس. وانظر القرطبي ١٣/ ٣٠٥ - ٣٠٦. (٢) الحديث صحيح، الرواية الأولى في صحيح مسلم، كتاب القدر، باب حِجَاج آدم وموسى عليهما السلام (٢٦٥٣) ومسند الإمام أحمد ٢/ ١٦٩. وسنن الترمذي في باب القدر (٢١٥٧) كلهم من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -. (٣) سورة لقمان، الآية: ١٧.