وقوله:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} أي: أوجبها على ذاته، قال أبو إسحاق: تفضل على العباد بأن أمهلهم عند كفرهم وإقدامهم على كبائر ما نهاهم عنه بأن أنظرهم وفسح لهم ليتوبوا، فذلك كَتْبُهُ الرحمةَ على نفسه (١).
وقوله:{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فيه وجهان:
أحدهفا: أنه مستأنف على معنى: ليجمعنكم إلى اليوم الذي أنكرتموه، ليجازيكم على ما صدر منكم من القول والفعل، كما تقول: جمعت هؤلاء إلى هؤلاء، أي: ضمصت بينهم في الجمع (٢).
والثاني: محله النصب بكتب على أنه بدل من الرحمة مفسر لها بالإِمهال إلى يوم القيامة على ما ذكر الآن (٣).
واللام فيه جواب قسم محذوف، و {كَتَبَ} واقع موقعه على هذا الوجه، وأما على الوجه الأول فلا.
وقوله:{الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} محل {الَّذِينَ} الرفع على الابتداء، والخبر {فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، ودخلت الفاء لما في الذين من معنى الشرط، أو النصب على الذم، أو الجر على البدل من {الْمُكَذِّبِينَ}(٤)، أو على النعت لهم.
ويجوز عندي وجه آخر، وهو أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين خسروا أنفسهم (٥)، وهو أحسن من الوجه الأول؛ لأن في الوجه الأول
(١) معاني أبي إسحاق الزجاج ٢/ ٢٣١ - ٢٣٢. (٢) كذا أيضًا في معاني الزجاج الموضع السابق. (٣) الوجهان - الاستئناف والنصب - للفراء ١/ ٣٢٨، وحكاه النحاس ١/ ٥٣٨ عنه. وهو قول الزجاج ٢/ ٢٣٢ أيضًا. (٤) من آخر الآية السابقة. (٥) هذا لصاحب الكشاف ٢/ ٦ لكنه قدره بـ: أنتم الذين خسروا أنفسهم.