ومنه قوله:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ}(١)، ولتقارب المعنيين جُمع بينهما في قوله:{مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ}(٢).
فإن قلت: هل يجوز أن يكون (ما) في قوله: {مَا لَمْ نُمَكِّنْ} مفعولًا ثانيًا لقوله: {مَكَّنَّا} على تضمين مكنا معنى أعطينا؟ قلت: نعم قد جوز ذلك (٣).
والمعنى: لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عادًا وثمودًا (٤) وغيرهم من البَسْطَةِ في الأجسام، والسعة في الأموال، وغير ذلك.
وقوله:{وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} السماء هنا يحتمل أن تكون المظلة؛ لأن الماء ينزل منها إلى السحاب، وأن تكون السحاب، وأن تكون المطر، يقال: ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم (٥). قال الشاعر:
١٩٥ - إذا سَقَطَ السماءُ بأرضِ قومٍ ... رعيناهُ وإن كانُوا غِضَابَا (٦)
وقد ذكر فيما سلف من الكتاب (٧).
و{مِدْرَارًا}: نصب على الحال من {السَّمَاءَ}، والمدرار: المغزار، ومفعال من أسماء المبالغة، يقال: دِيمة مدرار، إذا كان مطرها غزيرًا، كقولهم: امرأة مذكار، إذا كانت كثيرة الولادة للذكور، وكذلك مئناث في الإِناث (٨).
(١) سورة الأحقاف، الآية: ٢٦. (٢) هذا القول مع جميع شواهده للزمخشري ٢/ ٤. لكن قال أبو عبيدة في المجاز ١/ ١٨٦: مكنتك، ومكنت لك، واحد. (٣) جوزه أبو البقاء ١/ ٤٨١. (٤) هكذا مصروفة في الأصول والكشاف ٢/ ٤ حيث المعنى بلفظه له. ولم يصرفها في المطبوع دون إشارة؟ ! قال الجوهري (ثمود): يصرف ولا يصرف. (٥) كذا في الصحاح (سَمَوَ). وانظر مجاز القرآن ١/ ١٨٦. (٦) تقدم هذا الشاهد برقم (٥١). (٧) عند إعراب الآية (١٩) من البقرة. (٨) كذا في معاني الزجاج ٢/ ٢٢٩، ومعاني النحاس ٢/ ٤٠١.