قوله عز وجل:{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ}(كم) هنا استفهام وموضعه نصب بـ {أَهْلَكْنَا} إما على أنه مفعول به، و {مِنْ قَرْنٍ} هو المفسر له، وإما على أنه ظرف أو مصدر، و {مِنْ قَرْنٍ} مفعول به لأهلكنا، ويكون المفسِّر محذوفًا وهو الزمان، أو المَرَّةُ، كأنه قيل: كم زمانًا، أو كم حينًا، أو كم مرة أهلكنا فيه قَرنًا. والقرن فيما ذكر أهل اللغة: أهل كل عصر واحدٍ، مأخوذ من اقترانهم في العصر، قال الشاعر:
١٩٤ - إذا ذهب القرنُ الذي أنتَ فيهمِ ... وخُلِّفتَ في قَرْنٍ فأنتَ غريبُ (١)
ولا يجوز أن يكون منصوبًا بـ {يَرَوْا}؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، من أجل أن له صَدْرَ الكلام.
وقوله:{مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} في موضع النعت لـ {قَرْنٍ}، وإنما جُمع حملًا على المعنى، إذ المراد بالقرن الجِنْسُ، والجنس: جمع في المعنى.
وقوله:{مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ}(ما) يحتمل أن يكون موصوفًا، وأن يكون موصولًا، أي: تمكينًا، أو التمكين الذي لم نمكنه لكم، وفي الكلام حذف مضاف وهو الزمان، أي مدة ذلك.
فإن قلت: ما الفرق بين مكّن له في الأرض، وبين مكنه فيها؟ قلت: قيل: مكن له في الأرض، إذا جعل له مكانًا، ومنه قوله:{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ}(٢)، {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ}(٣)، وأما مَكَّنْتُهُ في الأرض: فأثبته فيها،
(١) البيت لأبي محمد عبد اللَّه بن أيوب التيمي، من شعراء الدولة العباسية. وانظره في البيان والتبيين ٣/ ١٩٥، وعيون الأخبار ٢/ ٣٤٧، والأغاني ٢/ ٥٤، والصحاح (قرن). وبهجة المجالس ١/ ٢٢٦. (٢) سورة الكهف، الآية: ٨٤. (٣) سورة القصص، الآية: ٥٧.