وَكَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيهِ) (١) (٢).
قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (الأُمُّ) (٣): "وَأَكْرَهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى القَبْرِ مَسْجِدٌ؛ وَأَنْ يُسَوَّى، أَو يُصَلَّى عَلَيهِ وَهُوَ غَيرُ مُسَوَّى -يَعْنِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ- أَو يُصَلَّى إِلَيهِ.
قَالَ: وَإِنْ صَلَّى إِلَيهِ أَجْزَأَهُ؛ وَقَدْ أَسَاءَ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِم مَسَاجِدَ))، قَالَ: وَأَكْرَهُ هَذَا لِلسُّنَّةِ وَالآثَارِ، وَأنَّهُ كَرِهَ -وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنْ يُعَظَّمَ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ -يَعْنِي: يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا-؛ وَلَمْ تُؤْمَنْ فِي ذَلِكَ الفِتْنَةُ وَالضَّلَالُ" (٤).
وَلَا فَرْقَ بَينَ بِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ، أَو إِدْخَالِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ؛ لِأَنَّ المَحْذُورَ وَاحِدٌ.
قَالَ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ ﵀ (٥): "وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَأَنَّهُ إذَا بُنِيَ المَسْجِدُ
(١) مُسْلِمٌ (٩٧٠).(٢) وَترْجَمَ البُخَارِيُّ (٢/ ٨٨) ﵀ لِحَدِيثِ: ((لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى: اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا)) بِقَولِهِ: "بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ اتِّخَاذِ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُورِ" فَجَعَلَ مِنْ مَعْنَى الاتِّخَاذِ البِنَاءَ عَلَى القُبُورِ المَسَاجِدَ.وَقَالَ الجَصَّاصُ ﵀ فِي كِتَابِهِ (مُخْتَصَرُ اخْتِلَافِ الفُقَهَاءِ) (١/ ٤٠٧): "قَالَ اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ ﵀: بُنْيَانُ القُبُورِ لَيسَ مِنْ حَالِ المُسْلِمِينَ! وَإنَّمَا هُوَ مِنْ حَالِ النَّصَارَى".(٣) الأُمُّ (١/ ٣١٧).(٤) قَالَ التِّرْمِذِيُّ ﵀ (٢/ ٣٥٨) عَقِبِ حَدِيثِ عَلِيٍّ ﵁: ((لَا تَدَعْ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيتَه)) "قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَكْرَهُ أَنْ يُرْفَعَ القَبْرُ إِلَّا بِقَدْرِ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ قَبْرٌ لِكَيلَا يُوطَأَ وَلَا يُجْلَسَ عَلَيهِ".(٥) هُوَ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنِ الحُسَينِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَبْو الفَضْلِ؛ زَينُ الدِّينِ، المَعْرُوفُ بِالحَافِظِ العِرَاقِيِّ: بَحَّاثَةٌ مِنْ كِبَارِ حُفَّاظِ الحَدِيثِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، صَاحِبُ (المُغْنِي) عَلَى الإِحْيَاءِ، (ت ٨٠٦ هـ). الأَعْلَامُ لِلزِّرِكْلِيِّ (٣/ ٣٤٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute