والعدلُ أساسُ صلاح المصنوعات والانتفاع بها، فالبنيان لا يقوم إلَّا على الأسس والأعمدة القوية، والقِدْرُ لا ينتصب إلَّا على ثلاثة قوائم، وهكذا السيارة والطائرة لا تستقيم في حركتها وسيرها إلَّا على العدل في حملها على عجلاتها السليمة في جوانبها، وعلى سلامة محركاتها واعتدالها، بل إنَّ الإنسان لو اختلَّ توازنُه لسقط، وهكذا الكلام والنظام لجميع الشؤون الحياتية لا يتم ويصلح إلَّا إذا كان معتدلًا سليمًا من الأخطاء.
والعدلُ في كل شيء مِن المعاملات وغيرها واجبٌ على الوجه الشرعي، وكذا العدل بالتسوية في عطية الأولاد، ما عدا ما يجب لكل واحد بعينه إذا وُجِد موجبُه؛ كمهر زواجه، وإعانته في المسكن، وفي شراء السيارة، بخلاف الذي لم يبلغ سِنَّ الزواج ولم يحتج لمسكن مستقل ولا للسيارة لصغر سِنِّه؛ فإنَّ ذلك تابع للمصروف لا تسوية فيه.
ومما ينبغي التنبه له أنَّ قولَ بعض الكُتَّاب: الإسلامُ دينُ المساواة! قولٌ يحتاج إلى تفصيل، فإنْ كان فيما فَرَّقَ اللهُ فيه بين الرجل والمرأة، كالميراث واختصاص الرجل برئاسة الدولة والشهادة -في غير الأموال وما يختص بالنساء ونحو ذلك-؛ فهو قول باطل، وظالم للمرأة والرجل.
وكذا التسوية بين الحرِّ والمملوك؛ فإنَّ اللهَ قد فَرَّقَ بينهما في عدة أمور، والتسوية بينهما ظلم مخالف لتشريع الحكيم الخبير.
وإنما الذي أَمر به من مساواته -إذا كان ذميًًا أو معاهدًا-: في الحكم عند القضاء والمعاملة، والوفاء بالعهد والعقد، وتحريم ظُلْمِه في النفس والعرض والمال.