للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتقاءُ مواطنِ التُّهَم

"ومِن محاسنِ الإسلام اتقاءُ مواضع التهم والرَّيب؛ كي يصون أَلْسِنَة الناس وقلوبَهم عن سوء الظن به.

وورد أنَّ صفيةَ زوجَ النَّبِيِّ (جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ المَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ؛ مَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ : (عَلَى رِسْلِكُمَا؛ إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ)، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ : (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا)) (١)، فهذا أشرفُ الخلْق وأزكاهم أَبْعَدَ التهمةَ والشكَّ عن نفسه (٢).

وقال عمرُ: (مَنْ أَقَامَ نَفْسَهُ مَقَامَ التُّهْمَةِ؛ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ) (٣).

(ومرَّ عمرُ برجل يُكَلِّمُ امرأتَه على ظهر الطريق، فعَلَاه وضَرَبَه بالدُّرة.

فقال الرجلُ: يا أَميرَ المُؤمِنينَ؛ إنَّها امْرَأَتي! فقال عمرُ: هلَّا كلَّمتَها حيثُ لا


(١) صحيح البخاري (٢٠٣٥).
(٢) وأيضًا فقد نَبَّهَ النَّبِيُّ على ذلك مِن جهة الشفقةِ على الرجلين حيث أغلق على الشيطان بابَ الفتنة عليهما عندما يَظنان به غيرَ ما يليق، "فقد روى الحاكم أنَّ الشافعيَّ كان في مجلس ابن عُيينة، فسأله عن هذا الحديث، فقال الشافعي: إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفرَ إنْ ظَنَّا به التهمةَ، فبادر إلى إعلامهما نصيحةً لهما قبل أنْ يَقذف الشيطانُ في نفوسهما شيئًا يهلكان به". فتح الباري لابن حجر (٤/ ٢٨٠).
(٣) مكارم الأخلاق للخرائطي (ص ١٦١).

<<  <   >  >>