للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلامُ سعى لتقليص الرِّقِّ

وأيضًا فإنَّ من محاسن الدين الإسلامي الحثُّ على العتق وتحرير الأرقاء، والإحسان إلى المملوك، وتجد هذا ظاهرًا في كثير مِن أدلة الشريعة حيث جعل الله تعالى كثيرًا مِن كفارات الذنوب هي عتقُ الرقبة، كما في كفارة الظهار، وكفارة مَن أتى أهلَه في نهار رمضان، وكفارة قتلِ الخطأ ولطْمِ الوجه وحِنْثِ اليمين والنذر.

وقد حَمَلَ هذا المعنى الكريمَ الصحابةُ الكرام في الإحسان إلى الرقيق حتى صار منهجًا لهم وسلوكًا باديًا عليهم، وهاك مثالًا عمليًّا جرى مِن أبي اليَسَر -صاحبِ رسول الله ، فعن (عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ فِي الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِينَا أَبُو الْيَسَرِ صَاحِبُ النَّبِيِّ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ، وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ، وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَمِّي، لَوْ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلَامِكَ وَأَعْطَيْتَهُ مَعَافِرِيَّكَ، أَوْ أَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ وَأَعْطَيْتَهُ بُرْدَتَكَ؛ كَانَتْ عَلَيْكَ حُلَّةٌ أَوْ عَلَيْهِ حُلَّةٌ! فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ، يَا ابْنَ أَخِي، بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ، وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي -وَأَشَارَ إِلَى نِيَاطِ قَلْبِهِ- النَّبِيَّ يَقُولُ: (أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ) وَكَانَ أَنْ أُعْطِيَهُ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (١)!

والمعنى أنه أراد أنْ يكون على غلامه نفسُ ما عليه مِن الثياب دون حصول أدنى تفضيل بينهما في اللباس طاعةً للنَّبِيِّ .


(١) صحيح. الأدب المفرد (١٨٧). صحيح الأدب المفرد (١٣٨).

<<  <   >  >>