ومِن جملة محاسن هذا الدِّين العظيم "الأصولُ والقواعدُ التي جَعَلَها الشارعُ أُسُسًا لفصل الخصومات وحلِّ المشاكل وترجيح أحد المتداعِيَين على الآخر؛ فإنها أصولٌ مبنيةٌ على العدل والبرهان واطِّراد العُرف وموافقة الفِطَر.
فإنه جَعَلَ البيِّنةَ على كل مَنِ ادعى شيئًا أو حقًّا مِن الحقوق، فإذا أتى بالبيِّنة التي تُرجِّح جانبَه وتقويه؛ ثَبَتَ له الحقُّ الذي ادعى به، ومتى لم يأتِ إلَّا بمجرد الدعوى؛ حَلَفَ المدعَى عليه على نفي الدعوى ولم يتوجه للمدعَى عليه حقٌّ.
وجَعَلَ الشارعُ البيِّناتِ بحسب مراتبِ الأشياء، وجَعَلَ القرائنَ المبيِّنةَ والعُرفَ المطَّرِد بين الناس مِن البيِّنات، فالبيِّنةُ اسمٌ جامعٌ لكل ما يُبَيِّنُ الحقَّ ويدلُّ عليه.
وجَعَلَ عند الاشتباه وتساوي الخصمين طريقَ الصلحِ العادلِ المناسبِ لكل قضية طريقًا إلى حلِّ المشاكل والمنازعات، فكلُّ طريقٍ لا ظلمَ فيه ولا يُدْخِلُ العبادَ في معصية الله -وهو نافعٌ لهم-؛ فقد حَثَّ عليه إذا كان وسيلةً إلى فصْل الخصومات وقطْع المشاجرات، وساوى في هذا بين القوي والضعيف، والرئيس والمرؤوس في جميع الحقوق، وأرضى الخصومَ بسلوك طرقِ العدل وعدمِ الحَيف" (١).
والحديثُ الشريفُ الأصلُ في هذا الباب هو ما رواه البيهقيُّ وابنُ حِبَّان
(١) الدُّرَّة المختصرة في محاسن الدِّين الإسلامي للسَّعدي (ص ٣٣).