للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• نماذج عالية من تعامل سلفنا الصالح مع الرِّقيق

(عَنْ أبي مَحْذُورَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ ؛ إِذْ جَاءَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بِجَفْنَةٍ (١) يَحْمِلُهَا نَفَرٌ فِي عَبَاءَةٍ، فَوَضَعُوهَا بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ، فَدَعَا عُمَرُ نَاسًا مَسَاكِينَ، وَأَرِقَّاءَ مِنْ أَرِقَّاءِ النَّاسِ حَوْلَهُ فَأَكَلُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: فَعَلَ اللهُ بِقَوْمٍ (٢) يَرْغَبُونَ عَنْ أَرِقَّائِهِمْ أَنْ يَأكُلُوا مَعَهُمْ، فَقَالَ صَفْوَانُ: أَمَا وَاللهِ مَا نَرْغَبُ عَنْهُمْ! وَلَكِنَّا نَسْتَأثِرُ عَلَيْهِمْ، لَا نَجْدُ وَاللهِ مِنَ الطَّعَامِ الطِّيبِ مَا نَأكُلُ وَنُطْعِمُهُمْ (٣) (٤).

وعن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت (خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ -صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ (٥)، وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ (٦) وَمَعَافِرِيٌّ (٧) وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيٌّ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَمِّ، لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلَامِكَ وَأَعْطَيْتَهُ مَعَافِرِيَّكَ، أَوْ أَخَذْتَ مَعَافِرِيَّهُ وَأَعْطَيْتَهُ بُرْدَتَكَ؛ فَكَانَتْ عَلَيْكَ حُلَّةٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ (٨)، فَمَسَحَ رَأسِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ. يَا ابْنَ أَخِي! بَصُرَ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ،


(١) الجفنة: هي وعاء يُؤكل ويُثْرَدُ فيه، وكان يُتَّخذ من الخشب غالبًا.
(٢) " فَعَلَ اللهُ بِقَوْمٍ" يعني: يدعو على أناس.
(٣) وسبب الكراهة ليس هو الرفعة والكبر! وإنما القلة، كما في لفظ لمسلم (فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيْلًا فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أُكْلَةً أَو أُكْلَتَيْنِ) والمشفوه: القليل، لأن الشفاه تكاثرت عليه، وعليه؛ فإن كان الطعام كثيرا؛ فإما أن يقعده معه، وإما أن يعطيه ما يكفيه منه.
(٤) صحيح الأدب المفرد (١٤٨).
(٥) يعني: معه أوراق مضمومة.
(٦)) البْرُدُ والبُرْدة: الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل: كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ.
(٧) المَعَافِرِيّ: نوع من الثياب اليمنية، منسوب إلى صانعها معافر.
(٨) الْحُلَّة: إِزَار وَرِدَاء مِنْ جِنْس وَاحِد، بمعنى ما يسمى اليوم "طقم".

<<  <   >  >>