ضعف دولة الأكاسرة ودولة الرومان وقوة المادة في العرب! وهذا مجردُ تصورِه: كافٍ في إبطاله، فأيُّ قوةٍ في العرب تؤهلهم لمقاومة أدنى حكومة مِن الحكومات الصغيرة في ذلك الوقت؟! فضلًا عن الحكومات الكبيرة الضخمة، فضلًا عن مقاومة أضخم الأمم في وقتها على الإطلاق وأقواها وأعظمها عَددًا وعُدَّةً في وقت واحد؛ حتى مَزقوا الجميعَ كلَّ ممزقٍ، وحَلَّتْ محلَّ أحكام هؤلاء الملوك الجبابرة أحكامُ القرآن والدِّين العادلة التي قَبِلَها وتلقاها بالقبول كلُّ منصف مريد للحق.
فهل يمكن تفسير هذا الفتح المنتشر المتسع الأرجاء بتفوق العرب في الأمور المادية المحضة؟! وإنما يَتكلم بهذا مَن يريد القدحَ في الدِّين الإسلامي، أو مَن راج عليه كلامُ الأعداء مِن غير معرفة للحقائق.
ثم بقاءُ هذا الدِّين على توالي النكبات وتكالب الأعداء على مَحْقِه وإبطاله بالكلية: هو مِن آيات هذا الدِّين وأنه دينُ اللهِ الحقُّ، فلو ساعدَتْه قوةٌ كافيةٌ تَرُدُّ عنه، عاديةَ العادِين وطغيانَ الطاغين لم يَبْقَ على وجه الأرض دينٌ سواه، ولَقَبِلَهُ الخلْقُ مِن غير إكراه ولا إلزام، لأنه دينُ الحق، ودينُ الفطرة، ودينُ الصلاح والإصلاح، لكنَّ تقصيرَ أهلِه وضَعْفَهم وتفرقَهم، وضغطَ أعدائهم عليهم؛ هو الذي أوقفَ سيرَه، فلا حول ولا قوة إلَّا بالله" (١).
(١) الدُّرَّة المختصرة في محاسن الدِّين الإسلامي للسَّعدي (ص ٤٠).