وحَثَّ الإسلامُ المسلمين إذا كانوا في سفر أنْ يُؤمِّروا أحدَهم لكيلا يختلفوا في الآراء.
قال ﷺ:«إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ»(١) رواه أبو داود، صحيح الجامع" (٢).
وإنَّ "نظرةً مجملةً في فتوحات الإسلام المتسعة الخارقة للعوائد، ثم لبقائه محترمًا مع تكالب الأعداء ومقاوماتهم العنيفة ومواقفهم المعروفة معه؛ وذلك أنَّ مَن نَظَرَ إلى منْبَع هذا الدِّين، وكيف أَلَّفَ جزيرةَ العرب على افتراقِ قلوبِها وكثرة ضغائنها وتعاديها، وكيف أَلَّفَهم وجمع قاصيهم لدانيهم، وأزال تلك العداوات، وأحلَّ الأخوةَ الإيمانية محلَّها، ثم اندفعوا في أقطار الأرض يفتحونها قطرًا قطرًا، وفي مقدمة هذه الأقطار أُمَّةُ فارس والروم -أقوى الأمم وأعظمها ملكًا، وأشدها قوةً، وأكثرها عَددًا وعُددًا- ففتحوهما وما وراءهما بفضلِ دينهم وقوةِ إيمانهم ونصرِ الله ومعونتِه لهم حتى وصل الإسلامُ مشارقَ الأرض ومغاربَها؛ فصار هذا يُعَدُّ مِن آياتِ الله وبراهين دِينِه ومعجزات نبيِّه، وبهذا دَخَلَ الخلقُ فيه أفواجًا ببصيرة وطمأنينة لا بقهر ولا إزعاج.
فمَن نظر نظرةً إجمالية إلى هذا الأمر عَرَفَ أنَّ هذا هو الحقُّ الذي لا يقوم له الباطل مهما عظمتْ قوتُه وتعاظمتْ سطوتُه، وهذا يُعرف ببداهة العقول، ولا يرتاب فيه منصف، وهو مِن الضروريات، بخلاف ما يقوله طائفة مِن كُتَّاب هذا العصر الذين دفعهم الرضوخُ الفكريُّ إلى مشايعة أعداء الإسلام؛ فزعموا أنَّ انتشارَ الإسلام وفتوحَه الخارقة للعادة مبنيٌّ على أمور مادية محضة، حَلَّلُوها بمزاعمهم الخاطئة، ويَرجع تحليلُها إلى
(١) صحيح. أبو داود (٢٦٠٨) من حديث أبي سعيد ﵁ مرفوعًا. صحيح الجامع (٥٠٠). (٢) كتاب الخمسين من محاسن الدين للشيخ مسند القحطاني (ص ٤٨).