للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَكَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ عَلَى أَلْسِنَةِ جَارَاتِهَا فَتَجْحَدُهُ، فَبَاعَتْهُ وَأَخَذَتْ ثَمَنَهُ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهَا، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -حِبُّ رَسُولِ اللهِ ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُول اللهِ ، وَقَالَ: (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟!) فَقَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ خَطِيبًا، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ [وفي رواية: كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الْوَضِيعِ، وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ]، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا). قَالَتْ: ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا). قَالَتْ عَائِشَةُ: (فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ) (١).

فهذه المرأةُ السارقةُ قد تابتْ (٢)، وحَسُنَتْ توبتُها، وتزوجتْ، بل وصارتْ ممن يهتم بأمر دينه، فتأتي وتترددُ على النَّبِيِّ ، والحمدُ لله على نعمة الإسلام.


(١) صحيح البخاري (٢٦٤٨)، ومسلم (١٦٨٨).
(٢) والسرقةُ يتعلق بها حقَّان:
أولًا: حقُّ الله تعالى.
وثانيًا: حق المخلوق المسروق منه، والمجتمع الذي يُراد حمايته وصيانه.
فلو قُطعت يدُ السارق ولم يَتُبْ؛ كانت في حقِّه ردعًا لظلمه وحماية للمجتمع فقط.
وأمَّا إنْ تاب؛ فإنها تكونُ له كفارةً لذنبه هذا ولغيره.
قال تعالى في توبة السارق بعد قطع يده: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٨، ٣٩].

<<  <   >  >>