بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)}، فبكى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى اضطرب لَحْيَاه وجنباه، فقال:"يا رب هذا شهدتُ على من أنا بين أظهرهم، فكيف بمن لم أره". انتهى (١).
وأخرج ابن المبارك في "الزهد" من طريق سعيد بن المسيِّب قال: ليس من يوم إلا تُعرض على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته غُدْوةً وعشيةً، فَيَعْرِفهم بسيماهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكره هذا الأثر ما نصّه: ففي هذا المرسل ما يَرْفَع الإشكال الذي تضمنه حديث ابن فضالة، واللَّه أعلم. انتهى (٢).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: أثر ابن المسيِّب -رَحِمَهُ اللَّهُ- هذا ضعيف، فلا يرفع الإشكال المذكور، وقد أوضح ضعفه الإمام ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "تفسيره"، حيث قال:
وأما ما ذكره أبو عبد اللَّه القرطبيّ في "التذكرة" حيث قال: "باب ما جاء في شهادة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على أمته"، قال ابن المبارك: أخبرنا رجل من الأنصار، عن المنهال بن عمرو، أنه سمع سعيد بن المسيِّب يقول: ليس من يوم إلا تُعْرَض فيه على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته غُدْوةً وعشيّةً، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم، فلذلك يَشهَد عليهم، يقول اللَّه تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)}، فإنه أَثَرٌ، وفيه انقطاع، فإن فيه رجلًا مبهمًا لم يُسَمّ، وهو من كلام سعيد بن المسيِّب لم يرفعه، وقد قبله القرطبيّ، فقال بعد إيراده: قد تقدَّم أن الأعمال تُعْرَض على اللَّه كل يوم اثنين وخميس، وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة، قال: ولا تعارض، فإنه يَحْتَمِل أن يُخَصّ نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- بما يُعْرَض عليه كلَّ يوم، ويوم الجمعة مع الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام. انتهى (٣).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الأثر مع ضعفه يعارض الحديث الذي
(١) راجع: "تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٩٥٦، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٦٨٥ - ٦٨٦. (٢) "الفتح" ٨/ ٧١٦ - ٧١٧ "كتاب فضائل القرآن" رقم (٥٠٥٥). (٣) "تفسير ابن كثير" ١/ ٦٨٦.