(بِثَلَاثٍ) أي: ثلاث خصال، زاد في رواية البخاري:"لا أدعهنّ حتى أموت"، قال في "الفتح": يَحْتَمِل أن يكون قوله: "لا أدعهنّ إلخ" من جملة الوصية؛ أي: أوصاني أن لا أدعهنّ، ويَحْتَمِل أن يكون من إخبار الصحابيّ بذلك عن نفسه، ولفظ أبي داود:"لا أدعهنّ في سفر، ولا حضر"(بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) الجارّ والمجرور بدل من الجارّ والمجرور قبله بدل تفصيل من مجمل، وقوله:(مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) متعلّق بـ "صيام".
والمراد: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر الأيام البيض، هذا هو الظاهر، كما قاله في "الفتح"(١)، وقيل: يومًا من أوله، ويومًا من وسطه، ويومًا من آخره، وقيل: يومًا من أول كل عشر.
(وَرَكعَتَي الضُّحَى) بالجرّ عطفًا على "صيام"، قال الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لعَله ذكر الأقلّ الذي يوجد التأكيد بفعله، وفي هذا دلالة على استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وعدم مواظبة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على فعلها لا ينافي استحبابها؛ لأنه حاصل بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلّة القول والفعل، لكن ما واظب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على فعله مرجَّحٌ على ما لم يواظب عليه.
(وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ) بضمّ القاف، مضارع رَقَد، من باب قعد؛ أي: أنام، ولفظ البخاريّ:"ونوم على وتر"، ومعنى "النوم على وتر" أن يصلي الوتر قبل أن ينام، لا أنه لا بُدّ من نوم بعده، ولعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أوصاه بذلك؛ لأنه خاف عليه الفوت بالنوم، ففيه أن من خاف فوات الوتر، فالأفضل له التقديم، وأما من لا يخاف منه، فالتأخير في حقّه أفضل.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لا معارضة بين وصيّة أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- بالوتر قبل النوم، وبين قول عائشة -رضي اللَّه عنها-: "وانتهى وتره إلى السحر"؛ لأن الأول لإرادة الاحتياط، والآخر لمن عَلِم من نفسه قوّة، كما ورد في حديث جابر -رضي اللَّه عنه- عند مسلم. انتهى (٢)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.