وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) -رضي اللَّه عنه- (بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) -رضي اللَّه عنه- (بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ) زاد الثوري، عن الأعمش:"ثمّ تفرّقت بكم الطرق"، رواه البخاريّ في "كتاب الحجّ" من طريق (فَلَيْتَ حَظِّي) أي: نصيبي، قال في "القاموس": الحظّ: النصيب، والْجَدُّ، أو خاصّ بالنصيب من الخير والفَضْلِ، والجمع حُظُوظ، مثلُ: فلس وفُلُوس، والحظّ أيضًا الْجَدُّ، والفعل كسَمِعَ يَسْمَعُ. انتهى باختصار (١). (مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ)"مِنْ" بمعنى البدل، كما في قوله تعالى:{أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} الآية [التوبة: ٣٨]؛ أي: بدل أربع ركعات، وقوله:(رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ) خبر "ليت".
قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه ليت عثمان صلى ركعتين، بدل الأربع، كما كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبو بكر، وعمرُ، وعثمان رضوان اللَّه عليهم أجمعين في صدر خلافته يفعلون، ومقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وصاحباه، ومع هذا فابن مسعود -رضي اللَّه عنه- موافق على جواز الإتمام، ولهذا كان يُصلي وراء عثمان -رضي اللَّه عنه- مُتمًّا، ولو كان القصر عنده واجبًا (٢) لما استجاز تركه وراء أحد. انتهى.
وقال في "الفتح": وهذا يدلّ على أنه كان يرى الإتمام جائزًا، وإلا لما كان له حظّ من الأربع، ولا من غيرها، فإنها كانت تكون فاسدة كلها، وإنما استرجع ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- لِمَا وقع عنده من مخالفة الأَوْلى، ويؤيده ما روى أبو داود:"أن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- صلّى أربعًا، فقيل له: عبت على عثمان، ثم صليت أربعًا، فقال: الخلاف شرّ"، وفي رواية البيهقيّ:"إني لأكره الخلاف"، ولأحمد من حديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه- مثل الأول، وهذا يدلّ على أنه لم يكن يعتقد أن القصر واجب، كما قال الحنفية، ووافقهم القاضي إسماعيل من المالكية، وهي رواية عن مالك، وعن أحمد، قال ابن قُدامة: المشهور عن أحمد أنه الاختيار، والقصر عنده الأفضل، وهو قول جمهور الصحابة، والتابعين.
(١) منقول من "القاموس" ٢/ ٣٩٤ باختصار وزيادة من "المصباح" ١/ ١٤١. (٢) سيأتي أنه لا تنافي بين وجوب القصر وجواز الإتمام، فالحقّ أن القصر واجب، وأن الإتمام جائز مع الكراهة، فتنبّه.