قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله ابن حبّان: من أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- سمعه من صحابيّ آخر فيه نظر لا يخفى؛ لأن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- قد حضر آخر خيبر، فقد أخرج الإمام أحمد في "مسنده" فقال:
(٨٣٤٧) حدّثنا عفّان، حدّثنا وُهيب، حدّثنا خثيم -يعني ابن عراك- عن أبيه، أن أبا هريرة قَدِمَ المدينة في رهط من قومه، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيبر، وقد استَخْلَف سِبَاع بن عُرْفُطة على المدينة، قال: فانتهيت إليه، وهو يقرأ في صلاة الصبح، في الركعة الأولى، بـ {كهيعص}، وفي الثانية:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}، قال: فقلت لنفسي: وَيْلٌ لفلان، إذا اكتال اكتال بالوافي، وإذا كال كال بالناقص، قال: فلما صلى زَوَّدنا شيئًا، حتى أتينا خيبر، وقد افتَتَحَ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر، قال: فكَلَّم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسلمين، فأشركونا في سهامهم. انتهى (٢)، وهو حديث صحيح.
فقد تبيّن بهذا أنه حضر خيبر، ورجع منها مع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد صرّح في هذا الحديث أن هذه القصّة وقعت حين قفوله -صلى اللَّه عليه وسلم- منها، فليس فيه إرسال، بل هو إخبار بما شاهده بنفسه، فتبصّر، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(سَارَ لَيْلَهُ) بالإضافة إلى الضمير، وفي نسخة:"ليلةً"، يقال: سار يسير سَيْرًا ومَسِيرًا، يكون بالليل والنهار، ويُستعمل لازمًا ومتعدّيًا، فيقال: سار البعيرُ، وسِرْتُهُ، فهو مَسِيرٌ، وسيَّرتُ الرجل بالتثقيل، فسار (٣). (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْكَرَى عَرَّسَ) غاية للسير، وفي رواية الطبرانيّ عن ابن عمر:"حتى إذا كان مع السحر".
و"الْكَرَى" بفتح الكاف: النُّعاس، وقيل: النوم، يقال منه: كَرِيَ الرجلُ -بفتح الكاف، وكسر الراء- يَكْرَى، وِزانُ رَضِي كَرًى: إذا نَعِسَ، فهو كَرٍ، وكَرْيَانُ، وكَرِيٌّ، وامرأةٌ كَرِيَةٌ بتخفيف الياء (٤).
(١) "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان" ٥/ ٤٢٤ - ٤٢٥. (٢) "المسند" ٢/ ٣٤٥ - ٣٤٦. (٣) "المصباح" ١/ ٢٩٩. (٤) راجع: "القاموس" ٤/ ٣٨٢.