وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "إذا دَحَضَت" أي زالت عن كَبِد السماء، وأصل الدحض: الزَّلَقُ، وهذا كما قال في الحديث الآخر:"كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلّي الظهر إذا دَحَضَت الشمس"، أي زالت، وقال الهرويّ في الحديث الأول: إذا انحطّت للغروب؛ لأن الشمس حينئذ يتبيّن زَلَقُها بالكلّيّة، والأول أولى انتهى (١).
[تنبيه]: قوله: "دَحَضَت" هكذا وقع عند المصنّف بحذف الفاعل؛ للعلم به، فهو على حدّ قوله تعالى:{إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} وأي الروح، وقوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} أي الشمس، وقد صُرّح به عند أبي نعيم في "مستخرجه"، ولفظ:"كان بلالٌ يؤذّن إذا دحَضَت الشمس. . . ".
(فَلَا يُقِيمُ) بضم أوله، من الإقامة (حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي من حجرته (فَإِذَا خَرَجَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- من حجرته ذاهبًا إلى المسجد (أَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ يَرَاهُ) أي وقت رؤية بلال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وفي رواية لأبي عوانة في "مسنده" من طريق إسرائيل، عن سماك:"كان بلال يؤذِّن، ثم يُمْهِلُ، فإذا رأى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد خرج أقام الصلاة"(٢).
وفي رواية أحمد في "مسنده": "كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس، لا يَخْرِمُ، ثم لا يقيم حتى يخرج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: فإذا خرج أقام حين يراه".
قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يُجْمَع بين مُختَلِف هذه الأحاديث (٣) بأن بلالًا -رَحِمَهُ اللَّهُ- كان يراقب خروج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من حيث لا يراه غيره، أو إلا القليل، فعند أول خروجه يقيم، ولا يقوم الناس حتى يروه، ثم لا يقوم مقامه حتى يُعَدِّلوا الصفوف.
وقوله في رواية أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "فيأخذ الناس مصافّهم قبل خروجه" لعله كان مرّةً أو مرتين ونحوهما؛ لبيان الجواز، أو لعذر، ولعل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-:
(١) "المفهم" ٢/ ٢٢٢ - ٢٢٣. (٢) "مسند أبي عوانة" ١/ ٢٧٢ رقم (١٣٤٩). (٣) يعني حديث جابر بن سمرة هذا وحديث أبي قتادة، وحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنهم- المتقدّمة.