وهذا غريبٌ. انتهى كلام الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد سبق أن ذكرت أن الصحيح مذهب الجمهور، وهو استحباب الافتتاح بالدعوات التي صحّت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن من قال بعدم مشروعيّة ذلك، فليس عنده حجة مقنعة، فتمسّك بما صحّ من الحجج، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ومما يُستحبّ الإتيان به قبل القراءة في الصلاة التعوّذ عند جمهور العلماء، واستدلّوا بقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)} [النحل: ٩٨]، والمعنى: إذا أردت القراءة، هكذا فسّر الآية الجمهور.
وحُكي عن بعض المتقدّمين، منهم: أبو هريرة، وابن سيرين، وعطاء التعوّذ بعد القراءة.
قال ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والمرويّ عن ابن سيرين قبل قراءة أم القرآن وبعدها، فلعلّه كان يستعيذ لقراءة السورة كما يقرأ البسملة لها أيضًا.
وقد جاءت الأحاديث بأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يتعوّذ قبل القراءة في الصلاة، فرَوَى عَمرو بن مرّة، عن عاصم الْعَنَزيّ، عن ابن جبير بن مُطعِم، عن أبيه أنه رأى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلّي صلاة، قال:"اللَّه أكبر كبيرًا، اللَّه أكبر كبيرًا، اللَّه أكبر كبيرًا، والحمد للَّه كثيرًا، سبحان اللَّه بكرة وأصيلًا -ثلاثًا- أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، من نفخه، ونَفْثه، وهَمْزه"، قال: نفثُهُ: الشِّعْرُ، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة، رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبّان في "صحيحه"، والحاكم، وصحّحه (٢).
وابن جبير هو نافع، وقع مسمّى في رواية كذلك، وعاصم الْعَنَزيّ قال أحمد: لا يُعرف، وقال غيره: رَوى عنه غير واحد، ذكره ابن حبّان في "الثقات".
ورَوَى عطاء السائب، عن أبي عبد الرحمن السلميّ، عن ابن
(١) "فتح الباري" لابن رجب ٦/ ٣٧٦ - ٣٨٨. (٢) لكنه ضعيف؛ لجهالة عاصم العنزيّ، كما سيأتي عن أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ-.