"مسنده" عن أبي أُسامة بهذا الإسناد: "آذنت بهم سَمُرَة"، وهي بفتح المهملة، وضمّ الميم (١).
قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا دليلٌ على أن اللَّه تعالى يَجعَل فيما يشاء من الجماد تمييزًا، ونظيره قول اللَّه تعالى:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[البقرة: ٧٤]، وقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} الآية [الإسراء: ٤٤]، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني لأَعْرِف حجرًا بَمكة، كان يُسِّلم عليّ قبل أن أُبْعَثَ، إني لأعرفه الآن"، رواه مسلم (٢)، وحديث الشجرتين اللتين أتتاه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد ذكره مسلم في آخر الكتاب، وحديث حَنِين الْجِذْع، وتسبيح الطعام، وفِرَار حَجَر موسى بثوبه، ورَجَفَان حِرَاء، وأُحُد. انتهى (٣).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- هذا يدلّ على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يعلم بحضور الجنّ، ولا رآهم، ويعارضه حديثه الماضي أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"أتاني داعي الجنّ، فذهبتُ معه، فقرأت عليهم القرآن"، فإنه يدلّ على أنه علم بهم، ورآهم، وقرأ عليهم القرآن، وكلّموه في شأن الزاد.
ووجه الجمع بينهما أن يقال: إنهما واقعتان وقعتا له -صلى اللَّه عليه وسلم-، ففي إحداهما لم يعلم بهم، وإنما أعلمته شجرة كانت عنده، وأخرى جاءه داعيهم، فذهب معه، وقرأ عليهم القرآن، وكلّموه، كما مرّ الجمع بين حديثه، وحديث ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما-: "ما قرأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الجنّ، وما رآهم"، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٣٤/ ١٠١٦](٤٥٠)، و (البخاريّ) في "مناقب الأنصار"(٣٨٥٩)، و (البزار) في "مسنده"(٥/ ٣٥٢)، و (أبو نعيم) في
(١) "الفتح" ٧/ ٢١٠ "كتاب المناقب" رقم (٣٨٦١). (٢) سيأتي لمسلم في "الفضائل" برقم (٢٢٧٧). (٣) "شرح النوويّ" ٤/ ١٧١.