(فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟ ") أي متفرّقين، جماعةً جماعةً، وهو بتخفيف الزاي، الواحدة عِزَةٌ، ومعناه النهي عن التفرّق، والأمر بالاجتماع، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
ونصبُ "عِزِين" على الحال؛ لأن "أرى" هنا بصريّة تتعدّى لمفعول واحد، كما سبق ذلك قريبًا.
وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "عِزِين" أي جماعات متفرّقين حلقةً حلقةً، وهو جمع عِزَة، وهي الحلقة المجتمعة من الناس، وأصلها عِزوة، فحُذفت الواو، وجُمِعت جمع السلامة على غير قياس، كثُبِين، وبُرين، جمع ثُبَة وبُرَة.
والمعنى: ما لي أراكم أشتاتًا متفرّقين؟ وفي معناه قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧)} [المعارج: ٣٧].
قال: وهو إنكار على رؤيته -صلى اللَّه عليه وسلم- إياهم متفرّقين أشتاتًا، والمقصود الإنكار عليهم كونهم على تلك الحالة، يعني أنه لا ينبغي لكم أن تتفرّقوا، ولا تكونوا مجتمعين مع توصيتي إياكم بذلك، وكيف وقد قال اللَّه تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: ١٠٣]، ولعلّ العذر من طرفي، وذلك أنكم مجتمعون، وإني أراكم متفرّقين، ولو قال: ومالكم متفرّقين؟ لم يُفد من المبالغة فائدةً، ونظيره قوله تعالى:{مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ}[النمل: ٢٠] حكايةً عن سليمان -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، أنكر على نفسه عدم رؤية الهدهد إنكارًا بليغًا، على معنى أنه لا يراه، وهو حاضرٌ لساتر ستره، أو غير ذلك. انتهى (٢).
وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أمرهم بالائتلاف والاجتماع، وحذرهم من الْفُرْقة، وقد يَحْتَمِلُ أنه نهاهم عن هذا في الصلاة، وأمرهم بوصل الصفوف، ألا تراه كيف قال: ثم خرج، فقال:"ألا تصفّون". انتهى (٣).