وحمله آخرون على ظاهره؛ إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويدلّ على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة: ما أخرجه البخاريّ في "المغازي" من "صحيحه" من حديث أبي مالك الأشعريّ -رضي اللَّه عنه-، أنه سمع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"ليكوننّ من أمتي أقوام يستحلون الْحِرَ، والحرير، والخمر، والمعازف (١)، ولَيَنْزِلَنَّ أقوام إلى جنب عَلَم يَرُوح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم -يعني الفقير- لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدًا، فَيُبَيِّتُهُم اللَّه، ويَضَعُ العَلَم، ويَمْسَخ آخرين قِرَدةً وخنازير إلى يوم القيامة".
وأخرج أحمد في "مسنده" بسند صحيح عن عبد الرحمن بن صُحَار (٢) العبديّ، عن أبيه، قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"لا تقوم الساعة حتى يُخسَف بقبائل، حتى يقال: من بَقِي من بني فلان؟ "، فعرفت حين قال: قبائل أنها العربُ؛ لأن العجم إنما تُنسَب إلى قراها.
وأخرج الترمذيّ، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يكون في آخر الأمة خسف، ومسخ، وقَذْف". قالت: قلت: يا رسول اللَّه، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم إذا ظهر الخبث"(٣).
وأخرج أيضًا بإسناد صحيح، عن عمران بن حصين -رضي اللَّه عنهما- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"في هذه الأمة خسفٌ، ومسخ، وقذف"، فقال رجل من المسلمين: يا رسول اللَّه، ومتى ذاك؟ قال:"إذا ظهرت القينات والمعازف، وشُربت الخمور"، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الكثيرة.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويقوّي حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر، عن محمد بن زياد:"أن يُحَوِّل اللَّه رأسه رأس كلب"، فهذا يُبعد المجاز؛ لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار.
(١) "الْحِرُ" بكسر الحاء، وتخفيف الراء: الفرج، و"المعازف": آلات اللَّهو، كالعود، والطنبور، أفاده في "القاموس". (٢) بمهملتين أوله مضموم مع التخفيف، قاله في "الفتح" ٨/ ١٤٢. (٣) في سنده عبد اللَّه بن عمر العمري المكبر ضعّفه بعضهم، لكن الحديث صحيح بشواهده.